للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: ٤١]، فهذا جَعْل كوني قدري، أي: قدّرنا ذلك وقضيناه، وجَعْل العبدِ إمامًا يدعو إلى النار أبلغ من جَعْله يزني ويسرق ويقتل.

وجَعْله أيضًا كذلك لفظ مجمل يراد به: أنه جبره على ذلك، وأكرهه عليه، واضطره إليه، وهذا محال في حق الربّ تعالى، وكمالُهُ المقدّس يأبى ذلك، وصفاتُ كماله تمنع منه كما تقدم. ويراد به: أنه مكّنه من ذلك، وأقدره عليه من غير أن يضطره إليه، ولا أكرهه، ولا أجبره؛ فهذا حق.

فإن قيل: هذا كله عدول عن المقصود، فمَن أحدث معصيته (١)، وأوجدها وأبرزها من العدم إلى الوجود؟

قيل: الفاعل لها هو الذي أوجدها وأحدثها، وأبرزها من العدم إلى الوجود بإقدار الله له على ذلك، وتمكينه منه من غير إلجاء له، ولا اضطرار منه له إلى فعلها.

فإن قيل: فمن الذي خلقها إذًا؟

قيل لكم: ومن الذي فعلها؟

فإن قلتم: الربّ تعالى هو الفاعل للفسوق والعصيان؛ أكذبكم العقل والفطرة، وكُتُب الله المنزّلة، وإجماع رسله، وإثبات حمده، وصفات كماله؛ فإنّ فعْله سبحانه كله خير، وتعالى أن يفعل شرًّا بوجه من الوجوه، فالشر ليس إليه (٢)، والخير هو الذي إليه، فلا يفعل إلا خيرًا، ولا يريد إلا خيرًا، ولا


(١) "د": "مصيبة" دون إعجام.
(٢) "د": "قال: وليس" تحريف.