للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قسرية لا إرادية.

والثاني: أنه هل لاختياره وإرادته وقدرته تأثير فيها، أو التأثير لقدرة الربِّ ومشيئته فقط، وذلك هو السبب الموجِب للفعل؟

فإن أوردتموه على الوجه الأول فجوابه: أنه يمكنه أن يفعل، وأن لا يفعل، ولا يصير مضطرًّا مُلْجَأً بخَلْقها فيه، ولا بخَلْق أسبابها ودواعيها؛ فإنها إنما خُلِقت فيه على وجه يمكنه فعلها وتركها، فلو لم يمكنه الترك لزم اجتماع النقيضين، وأن يكون مريدًا غير مريد، فاعلًا غير فاعل، مُلْجَأً غير مُلْجَأ.

وإن أوردتموه على الوجه الثاني فجوابه: أن لإرادته واختياره وقدرته أثرًا فيها، وهي السبب الذي خلقها الله به في العبد، فقولكم: "إنه لا يمكنه الترك" مع الاعتراف بكونه متمكّنًا من الفعل= جمع بين النقيضين؛ فإنه إذا تمكّن من الفعل كان الفعل اختياريًّا: إن شاء فعله، وإن شاء لم يفعله، فكيف يصح أن يقال: لا يمكنه ترك الفعل الاختياري الممكِن، هذا خُلْف من القول، وحقيقة الأمر أنه يمكنه الترك لو أراده، لكنه لا يريده، فصار لازمًا بالإرادة الجازمة.

فإن قيل: فهذا يكفي في كونه مجبورًا عليه.

قيل: بل هذا من أدلّ شيء على بطلان الجَبْر؛ فإنه إنما لزم بإرادته المنافية للجبر، ولو كان وجوب الفعل بالإرادة يقتضي الجَبْر لكان الربُّ تعالى وتقدّس مجبورًا على أفعاله؛ لوجوبها بإرادته ومشيئته، وذلك محال.

فإن قيل: الفرق أن إرادة الربّ تعالى من نفسه، لم يَجْعلْهُ غيرُهُ مريدًا،