للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المراد، وإرادة الربّ تعالى ومشيئته تستلزم وجود مراده، وكذلك التكوين، يوضحه: أن التكوين هو اجتماع القدرة والإرادة وكلمة التكوين، وذلك كله قديم، ولم يلزم منه قدم المكوَّن.

قالوا: وإذا عرضنا هذا على العقول السليمة، وعرضنا عليها مفعولًا بلا فعل؛ بادرت إلى قبول ذاك وإنكار هذا.

فهذا جواب هؤلاء.

وقالت الكرّامية: بل نختار من هذا الترديد كون التكوين حادثًا، وقولكم: «يلزم من ذلك قيام الحوادث بذات الربِّ، فالتكوين هو فعله، وهو قائم به»، فكأنكم قلتم: يلزم من قيام فعله به قيامه به، وسميتم أفعاله حوادث، وتوسلتم بهذه التسمية إلى تعطيلها، كما سمّى إخوانكم صفاته: أعراضًا، وتوسلوا بهذه التسمية إلى نفيها عنه. وكما سمّوا علوّه على مخلوقاته واستواءه على عرشه: تحيّزًا، وتوسلوا بهذه التسمية إلى نفيه. وكما سمّوا وجهه الأعلى (١) ويديه: جوارح، وتوسلوا بذلك إلى نفيها.

قالوا: ونحن لا ننكر أفعال خالق السماوات والأرض وما بينهما، وكلامه وتكليمه، ونزوله إلى السماء، واستواءه على عرشه، ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، ونداءه لأنبيائه ورسله وملائكته، وفعله ما شاء= بتسميتكم لهذا كله حوادث، ومن أنكر ذلك فقد أنكر كونه ربّ العالمين؛ فإنه لا يتقرر في العقول والفطر كونه ربًّا للعالمين إلا بأن يثبت له الأفعال الاختيارية، وذات لا تفعل ليست مستحقة للربوبية ولا للإلهية،


(١) من قوله: «وتوسلوا بهذه» إلى هنا ساقط من «د».