للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: أنه سبحانه لما ردَّ قولهم: إن الحسنة من الله والسيئة من رسوله، وأبطله بقوله: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} = دفع وهْم من توهّم أن نفسه لا تأثير لها في السيئة، ولا هي منها أصلًا بقوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: ٧٩]، وخاطبه بهذا تنبيهًا لغيره كما تقدم.

ومنها: أنه قال في الرد عليهم: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}، ولم يقل: من الله لمّا جمع بين الحسنات والسيئات، والحسنة مضافة إلى الله من كل وجه، والسيئة إنما تضاف إليه قضاءً وقدرًا وخلقًا، وأنه خالقها كما هو خالق الحسنة، فلهذا قال: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}.

وهو سبحانه إنما خلقها لحكمة، فلا تضاف إليه من جهة كونها سيئة، بل من جهة ما تضمّنته من الحكمة والعدل والحمد، وتضاف إلى النفس كونها سيئة.

ولما ذكر الحسنة مفردة عن السيئة قال: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}، ولم يقل: من عند الله، فالخير منه، وأنه موجَب أسمائه وصفاته، والشر الذي هو بالنسبة إلى العبد شر من عنده سبحانه، فإنه مخلوق له، خلقه عدلًا منه وحكمة.

ثم قال: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}، ولم يقل: من عندك؛ لأن النفس طبيعتها ومقتضاها ذلك، فهو من نفسها، والجميع من عند الله، فالسيئة من نفس الإنسان بلا ريب، والحسنة من الله بلا ريب، وكلاهما من عنده سبحانه قضاءً وقدرًا وخلقًا، ففرق بين ما من الله وبين ما من عَبْده (١)،


(١) هكذا مجوّدة في «م»، وفي «ج»: «عنده»، وأهملت في «د»، وكلاهما محتمل.