للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورجحت طائفة والزجاج (١) القول الأول، واحتجوا بقوله: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا}، قالوا: وأيضًا فإنه لم يتقدم ذكر الإنسان ولا خطابه، وإنما تقدم ذكر طائفة قالوا ما حكاه الله عنهم، فلو كانوا هم المرادين لقال: (ما أصابهم، أو ما أصابكم) على طريق الالتفات.

قالوا: وهذا من باب التنبيه؛ لأنه إذا كان سيد ولد آدم وهذا حكمه فكيف بغيره؟

ورجحت طائفة القول الآخر، واحتجت بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معصوم لا يصدر عنه ما يوجب أن تصيبه سيئة.

قالوا: والخطاب وإن كان له في الصورة فالمراد به الأمة، كقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: ١].

قالوا: ولما كان أول الآية خطابًا له أجرى الخطاب جميعه على وجه واحد، فأفرده في الثاني والمراد الجمع، والمعنى: وما أصابكم من سيئة فمن أنفسكم، فالأول له والثاني لأمته، ولهذا لما أفرد إصابة السيئة قال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠]، وقال: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: ١٦٥]، وقال: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ رَحُبَت ثُّمَّ رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: ٢٥ - ٢٦]، فأخبر أن الهزيمة بذنوبهم


(١) «والزجاج» انفردت به «د»، وما في «معاني القرآن» (٢/ ٧٩) يخالفه ويوافق القول الآخر، وانظر: «البسيط» (٦/ ٦١٥ - ٦١٨).