للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وداعي الفلاح يدعو إلى أمر آجل في دار غير هذه الدار، لا يُنال إلا بمفارقة ملاذها وطيباتها ومسراتها، وتجرّع مراراتها، والتعرض لآفاتها، وإيثار (١) الغير بمحبوباتها ومشتهياتها، وجعل يقول:

خُذْ ما تراه ودَعْ شيئًا سَمعتَ به (٢)

فقامت الإرادة بين الداعيين، تصغي إلى هذا مرة وإلى هذا مرة، فههنا معركة الحرب ومحل المحنة، فقتيل وأسير، وفائز بالظفر والغنيمة.

فإذا شاء الله عز وجل رحمة عبد جذب قوى إرادته وعزيمته إلى ما ينفعه ويحييه الحياة الطيبة، فأوحى إلى ملائكته: أن ثبتوا عبدي، واصرفوا همته وإرادته إلى مرضاتي وطاعتي، كما قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: ١٢].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن للمَلك بقلب ابن آدم لَمّة (٣)، وللشيطان لَمّة: فلَمّة المَلك إيعاد بالخير وتصديق بالوعد (٤)، ولَمّة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالوعد»، ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرْكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} [البقرة: ٢٦٨] (٥).


(١) «د» «م»: «وانتشار» دون إعجام، والمثبت من «ج».
(٢) صدر بيت للمتنبي في «الديوان بشرح الواحدي» (٤٩٠)، وعجزه:
في طَلْعةِ الشمس ما يغنيك عن زحلِ
(٣) اللَّمَّة: الهَمّة والخطرة تقع في القلب، «النهاية في الغريب» (٤/ ٢٧٣).
(٤) هكذا في الموضعين هنا: «بالوعد»، وكذا في أكثر كتب المؤلف، والرواية: «بالحق».
(٥) أخرجه الترمذي (٢٩٨٨)، والنسائي في «الكبرى» (١٠٩٨٥)، من حديث أبي الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن ابن مسعود يرفعه، قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب ... لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث أبي الأحوص»، وصححه ابن حبان (٩٩٧)، وعطاء صدوق اختلط، وقد اختُلف عنه في رواية الحديث وقفًا ورفعًا، ورجح أبو زرعة الوقف، انظر: «العلل الكبير» للترمذي (٣٥٣)، «العلل» لابن أبي حاتم (٢٢٢٤).