ووساوس الصدور، وكذلك مشيئته أن يكون العبد متكلمًا لا يستلزم أن يفرد كل حرف بمشيئة غير مشيئة الحرف الآخر.
وإذا تبين ذلك فهو سبحانه شاء أن يكون عبده شائيًا مريدًا، وتلك الإرادة والمشيئة صالحة للضدين، فإذا شاء أن يهدي عبده صرف داعيه ومشيئته وإرادته إلى ما ينفعه في معاشه ومعاده، وإذا شاء أن يضله تركه ونفسه وتخلى عنه.
والنفس متحركة بطبعها، لابدَّ لها من مراد محبوب هو مألوفها ومألوهها ومعبودها، فإن لم يكن الله وحده هو معبودها ومرادها، وإلا كان غيره لها معبودًا ومرادًا ولابدّ، فإن حركتها ومحبتها من لوازم ذاتها، فإن لم تحب ربها وفاطرها وتعبده أحبت غيره وعبدته، وإن لم تتعلّق إرادتها بما ينفعها في معادها تعلّقت بما يضرها فيه ولابد، فلا تعطيل في طبيعتها، وهكذا خُلِقت.
فإن قلت: فأين مشيئة الله لهداها وضلالها؟
قلت: إذا شاء إضلالها تركها ودواعيها، وخلّى بينها وبين ما تختاره، وإذا شاء هداها جذب دواعيها وإرادتها إليه، وصرف عنها موانع القبول، فيمدها على القدر المشترك بينها وبين سائر النفوس بإمداد وجودي، ويصرف عنها الموانع التي خلّى بينها وبين غيرها فيها، وهذا بمشيئته وقدرته، فلم يخرج شيء من الموجودات عن مشيئته وقدرته وتكوينه البتّة، لكن يكون ما شاء بأسباب وحكم.
ولو أن الجبرية أثبتت الأسباب والحِكَم لانحلت عنها عُقَد هذه