الغضبية، التي كمالها بالغلبة، ولهذا خُلِقت، فليس في ترتب أثرها عليها شر من حيث وجوده، بل الشر عدم ترتب أثرها عليها البتّة، فتكون ضعيفة عاجزة مقهورة، وإنما الشر الوجودي الحاصل شر إضافي بالنسبة إلى المظلوم لفوات ماله أو نفسه أو تصرفه، وبالنسبة إلى الظالم لا من حيث الغلبة والاستيلاء، ولكن من حيث وضع الغلبة والقهر والاستيلاء في غير موضعه، فعدل به عن محله إلى غير محله.
فلو استعمل (١) قوة الغضب في قهر المؤذي الباغي من الحيوانات الناطقة والبهيمة لكان ذلك خيرًا، ولكن عدل به إلى غير محله، فوضَعَ القهر والغلبة موضع العدل والنصفة، ووَضَع الغلظة موضع الرحمة.
فلم يكن الشر في وجود هذه القوة، ولا في ترتب أثرها عليها من حيث هما كذلك، بل في إجرائها في غير مجراها.
ومثال ذلك: ماء جار في نهر إلى أرض يسقيها وينفعها، فكماله في جريانه حتى يصل إليها، فإذا عدل به عن مجراه وطريقه إلى أرض يضرها ويخرب دورها؛ كان الشر في العدول به عما أُعدّ له، وعدم وصوله إليه.
فهكذا الإرادة والغضب؛ أُعِين بهما العبد ليتوصل بهما إلى حصول ما ينفعه، وقهر ما يؤذيه ويهلكه، فإذا استُعمِلا في ذلك فهو كمالهما وهو خير، وإذا صُرِفا عن ذلك إلى استعمال هذه القوة في غير محلها، وهذه في غير محلها؛ صار ذلك شرًّا إضافيًا نسبيًا.
وكذلك النار كمالها في إحراقها، فإذا أحرقت ما ينبغي إحراقه فهو خير،