للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكمال فيها فهو مستفاد من خيره، وكماله في نفسه، وهي تستمد منه وهو لا يستمد منها، وهي فقيرة إليه وهو غني عنها، كلٌّ منها يسأله كماله.

فالملائكة تسأله ما لا حياة لها إلا به، من إعانته على ذكره وشكره وحسن عبادته، وتنفيذ أوامره، والقيام بما جعل إليهم من مصالح العالم العلوي والسفلي، وتسأله أن يغفر لبني آدم.

والرسل تسأله أن يعينهم على أداء رسالاته وتبليغها، وأن ينصرهم على أعدائهم، وغير ذلك من مصالحهم في معاشهم ومعادهم.

وبنو آدم كلهم يسألونه مصالحهم على تنوعها واختلافها.

والحيوان كله يسأله رزقه وغذاءه وقوته وما يقيمه، ويسأله الدفع عنه، والشجر والنبات يسأله غذاءه وما يكمل به، والكون كله يسأله إمداده بقاله وحاله: {(٢٨) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي} [الرحمن: ٢٩].

فأَكُفّ جميع العالم ممتدة إليه بالطلب والسؤال، ويده مبسوطة لهم بالعطاء والنوال، يمينه مَلْأى لا يَغيضُها نفقةٌ، سَحّاء الليل والنهار، وعطاؤه وخيره مبذول للأبرار والفجّار، له كل كمال، ومنه كل خير، له الحمد كله، وله الملك كلّه، وله الثناء كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، تبارك اسمه، وتباركت أوصافه، وتباركت أفعاله، وتباركت ذاته، فالبركة كلها له ومنه، لا يتعاظمه خير سُئِله، ولا تنقص خزائنه على كثرة عطائه وبذْلِه، فلو صُوِّر كلُّ كمال في العالم صورةً واحدة ثم كان العالم كله على تلك الصورة لكان نسبة ذلك إلى كماله وجلاله وجماله دون نسبة سراج ضعيف (١) إلى عين الشمس.


(١) «ضعيف» من «ج».