للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} فهو تعليل لقضاء الله سبحانه بالتقاطه، وتقديره له؛ فإن التقاطهم له إنما كان بقضائه وقدره، فهو سبحانه قدّر ذلك وقضى به؛ ليكون لهم عدوًّا وحزنًا، وذكَرَ فعلهم دون قضائه؛ لأنه أبلغ في كونه حَزَنًا لهم وحسرة عليهم؛ فإن من اختار أخْذ ما يكون هلاكه على يديه إذا أصيب به كان أعظم لحزنه وغمّه وحسرته من أن لا يكون له فيه صنع ولا اختيار، فإنه سبحانه أراد أن يظهر لفرعون وقومه ولغيرهم من خلقه كمال قدرته وعلمه وحكمته الباهرة، وأن هذا الذي يذبح فرعونُ الأبناءَ في طلبه؛ هو الذي يتولّى تربيته في حِجْره وبيته باختياره وإرادته، ويكون في قبضته وتحت تصرّفه، فذِكْر فِعْلهم به في هذا أبلغ وأعجب من أن يذكر القضاء والقدر، وقد أعلمنا الله سبحانه أن أفعال عباده كلها واقعة بقضائه وقدره.

وأما قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام: ٥٣]، فلا ريب أن هذا تعليل لفعله المذكور، وهو امتحان بعض خلقه ببعض، كما امتحن السادات والأشراف بالعبيد والضعفاء والموالي، فإذا نظر الشريف والسيد إلى العبد والضعيف والمسكين قد أسلم أَنِفَ وحمي أن يسلم معه أو بعده، ويقول: أهذا يسبقني إلى الخير والفلاح وأتخلّف أنا؟! فلو كان ذلك خيرًا وسعادة ما سبقنا هؤلاء إليه. فهذا القول منهم هو بعض الحِكَم والغاية المطلوبة بهذا الامتحان؛ فإن هذا القول دالٌّ على إباء واستكبار، وترْكِ الانقياد للحق بعد المعرفة التامة به.

وهذا وإن كان علّة فهو مطلوب لغيره، والعلل الغائية تارة تُطلب لنفسها، وتارة تُطلب لغيرها، فتكون وسيلة إلى مطلوب لنفسه، وقول هؤلاء