للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها (١)، ولا ينطبع فيها الحق، ولا ترتسم فيها العلوم النافعة، ولا تلين لإعطاء الأعمال الصالحة.

وأما النوع الثاني: فلا يخلو إما أن يكون الحق ثابتًا فيه ولا يزول عنه؛ لقوته مع لينه، أو يكون لينه مع ضعف وانحلال، والثاني هو القلب المريض، والأول هو الصحيح المُخْبِت، وهو الذي جمع الصلابة والصفاء واللين، فيبصر الحق بصفائه، ويشتد فيه بصلابته، ويرحم الخلق بلينه، كما في أثر مروي: «القلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إليه أصلبها وأرقها وأصفاها» (٢)، كما قال تعالى في أصحاب هذه القلوب: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩]، فهذا وصف منه للمؤمنين الذين عرفوا الإيمان بصفاء قلوبهم، واشتدوا على الكفار بصلابتها، وتراحموا فيما بينهم بلينها.

وذلك أن القلب عضو من أعضاء البدن، وهو أشرف أعضائه، وملكها المطاع، وكل عضو كاليد مثلًا إما أن تكون جامدة يابسة، لا تلتوي ولا تبطش، أو تبطش بعنف، فذلك مثل القلب القاسي، أو تكون مريضة ضعيفة عاجزة؛ لضعفها ومرضها، فذلك مثل الذي فيه مرض، أو تكون باطشة بقوة ولين، فذلك مثل القلب العليم الرحيم، فبالعلم خرج عن المرض الذي (٣) ينشأ من الشهوة والشبهة، وبالرحمة خرج عن القسوة، ولهذا وصف سبحانه من عدا أصحاب القلوب المريضة والقاسية بالعلم والإيمان والإخبات.


(١) قراءة محتملة من «د» «ج»، وفي «م»: «ما يَلْبث فيها» مجوّدة.
(٢) تقدم تخريجه في (١/ ٣٤٧).
(٣) «الذي» من «ج».