للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعواقب الحميدة التي هي محل الفكر لما كان للتفكير فيه معنى، وإنما دعاهم إلى التفكّر والتدبّر ليطلعهم ذلك على حكمته البالغة، وما فيه من المصالح والغايات المحمودة التي توجب لمن عرفها إقراره بأنه تنزيل من حكيم حميد.

فلو كان الحق ما يقوله النفاة، وأنّ مرجع ذلك كلّه ومصدره مجرّدُ القدرة والمشيئة التي يجوز عليها تأييدُ الكاذب بالمعجزة ونصرُه وإعلاؤه، وإهانةُ المحقِّ وإذلالُه وكسرُه= لما كان في التدبر والتفكر ما يدلهم على صدق رسله، ويقيم عليهم حجته، وكان (١) غاية ما دعوا إليه القَدَر المحض، وذلك مشترك بين الصادق والكاذب، والبر والفاجر.

فهؤلاء بإنكارهم الحكمة والتعليل سدّوا على نفوسهم باب الإيمان والهدى، وفتحوا عليهم باب المكابرة وجَحْد الضروريات (٢)، فإن ما في خلق الله وأمره من الحِكَم والمصالح المقصودة بالخلق والأمر، والغايات المحمودة (٣) = أمر تشهد به الفطر والعقول، ولا ينكره سليم الفطرة، وهم لا ينكرون ذلك وإنما يقولون: وقع بطريق الاتفاق لا بالقصد، كما تسقط خشبة عظيمة فيتفق عبور حيوان مؤذ تحتها فتهلكه.

ولا ريب أن هذا ينفي حمد الربِّ تعالى على حصول هذه المصالح والمنافع والحِكَم؛ لأنها لم تحصل بقصده وإرادته، بل بطريق الاتفاق الذي لا يُحمَد عليه صاحبه، ولا يُثنى عليه به، بل هو عندهم بمثابة ما لو رمى رجل


(١) «د»: «وإن كان».
(٢) «م»: «وجحدوا الضروريات».
(٣) «م»: «الحميدة».