للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يُستنكر هذا؛ فإنك تجد الرجل منغمِسًا في النّعم، وقد أحاطت به من كل جانب وهو يشتكي حاله، ويتسخَّط مما هو فيه، وربما أنكر النعمة، فَضَلَال النفوس وغيّها لا حدّ له ينتهي إليه، ولاسيما النفوس الجاهلة الظالمة.

ومن أعجب العجب أن تسمح نفس بإنكار الحِكَم والعلل الغائية والمصالح التي تضمّنتها هذه الشريعة الكاملة، التي هي من أدل الدلائل على صِدْق مَن جاء بها، وأنه رسول الله حقًا، ولو لم يأت بمعجزة سواها لكانت كافية شافية، فإن ما تضمّنته من الحِكَم والمصالح والغايات الحميدة، والعواقب السديدة، شاهدة بأن الذي شرعها وأنزلها أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وشهود ذلك في تضاعيفها ومضمونها كشهود الحِكَم والمصالح والمنافع في المخلوقات العلويّة والسفليّة، وما بينهما من الحيوان والنبات والعناصر والآثار التي بها انتظام مصالح المعاش.

فكيف يرضى أحدٌ لنفسه إنكارَ ذلك وجحْدَه؟!

وإن تَجمّل واستحيا من العقلاء قال: ذلك أمر اتفاقي غير مقصود بالخلق والأمر!

وسبحان الله! كيف يستجيز أحدٌ أن يظنّ بربِّ العالمين وأحكم الحاكمين أنه يعذّب كثيرًا من خلقه بأشدّ العذاب الأبدي لغير غاية ولا حكمة ولا بسبب، وإنما هو محض مشيئة مجرّدة عن الحكمة والسبب، فلا سبب هناك ولا حكمة ولا غاية، وهل هذا إلا من أسوأ الظن بالربّ تعالى؟!

وكيف يستجيز أن يظنّ بربّه أنه أمَر ونهى، وأباح وحرّم، وأحبّ وكره، وشرع الشرائع، وأمر بالحدود لا لحكمة ولا لمصلحة يقصدها، بل ما ثَمّ إلا