للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا تستهن بأمر هذه المسألة؛ فإن شأنها أعظم، وخطرها أجلّ، وفروعها كثيرة جدًّا.

ومن فروعها: أنهم لما تكلموا فيما يُحدِثه الله سبحانه من المطر والنبات والحيوان، والحر والبرد، والليل والنهار، والإهلال والإبدار والكسوف، والاستِسْرار (١)، وحوادث الجو، وحوادث الأرض= انقسموا قسمين، وصاروا طائفتين:

فطائفة جعلت الموجِب لذلك مجرّد ما رأوه علّة وسببًا من الحركات الفلكية، والقُوى الطبيعية، والنفوس والعقول، فليس عندهم لذلك فاعل مختار مريد.

وقابلهم طائفة من المتكلمين فلم يثبتوا لذلك سببًا إلا مجرد المشيئة والقدرة، وأن الفاعل المختار يُرجِّح مِثْلًا على مِثْل بلا مُرجِّح ولا سبب ولا حكمة، ولا غاية يفعل لأجلها.

ونفوا الأسباب والقُوى والطبائع والغرائز والحِكَم والغايات، حتى يقول مَن أثبت الجوهر الفرد منهم: إن الفَلَك والرَّحا ونحوهما مما يدور يتفكك عند الدوران دائمًا، والقادر المختار يعيده كل وقت كما كان، وإن الألوان والمقادير والأشكال والصفات تعدم على تعاقب الآنات (٢)، والقادر


(١) هو اختفاء القمر آخر الشهر ليلة أو ليلتين، مشتق من استسرّ، انظر: «الصحاح» (٢/ ٦٨٢).
(٢) مصطلح كلامي يطلق على أجزاء الزمان غير المنقسمة، انظر: «المواقف» (١/ ٥٣٠).