للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لوازم ذاته، فلا يكون إلا رحيمًا محسنًا، وهو سبحانه إنما أمر العباد بما يحبّه ويرضاه، وأراد لهم من إحسانه ورحمته ما يحبّه ويرضاه، لكن فَرْقٌ بين ما يريد هو سبحانه أن يخلقه ويفعله لما يحصل به من الحكمة التي يحبها، فهذا يفعله سبحانه ولا بدّ من وجوده، وبين ما يريد من العباد أن يفعلوه ويأمرهم بفعله ويحب أن يقع منهم، ولا يشاء خَلْقه وتكوينه، فَفَرْقٌ بين ما يريد خَلْقه وما يأمر به وقد لا يريد خَلْقه (١)، فإن الفرق بين ما يريد الفاعل أن يفعله، وما يريد من المأمور أن يفعله فرق واضح.

والله سبحانه له الخلق والأمر، فالخلق فعْله، والأمر قوله، ومتعلّقه فعل عباده، وهو سبحانه قد يأمر عبده ويريد من نفسه أن يعينه (٢) على فعل ما أمره به؛ لتحصل حِكَمُه (٣) ومحابّه من ذلك المأمور به، وقد يأمره ولا يريد من نفسه إعانته على فعل المأمور؛ لمَا له من الحكمة التامة في هذا الأمر وهذا الترك، يأمره لئلا يكون له عليه حجة، ولئلا يقول: ما جاءني من نذير، ولو أمرتني لبادرتُ إلى طاعتك، ولم يرد من نفسه إعانته؛ لأن محلّه غير قابل لهذه النعمة.

والحكمة التامة تقتضي أن لا توضع النعم عند غير أهلها، وأن لا تُمنَع من أهلها، قال تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح: ٢٦]، وقال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: ٥٣]، وقال: {(٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: ٢٣].


(١) «د»: «وقد يريد خلقه».
(٢) «د»: «يعين عبده».
(٣) «د»: «حكمته».