للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعظم تفاوت، عجز البشر إلى الآن عن حصره، واشتراك الوحوش في البعد عن الناس، والنِّفَار عنهم وعن مساكنهم، وتفاوتها في صفاتها وأشكالها وطبائعها وأفعالها أعظم تفاوت، يعجز البشر عن حصره، واشتراك الماشي منها على بطنه في ذلك وتفاوت نوعه، واشتراك الماشي على رجلين في ذلك وتفاوت نوعه أعظم تفاوت.

وكل من هذه الأنواع له علم وإدراك وتحَيُّل على جلب مصالحه ودفع مضاره، يعجز عن كثير منها نوع الإنسان، فمِن أعظم الحِكَم الدلالةُ الظاهرة على معرفة الخالق الواحد المستولي بقوته وقدرته وحكمته على ذلك كله، بحيث جاءت كلها مطيعة منقادة منساقة إلى ما خلقها له على وفق مشيئته وحكمته، وذلك أدلّ شيء على قوته القاهرة وحكمته البالغة وعلمه الشامل، فتُعلم إحاطة قدرة واحدة، وعلم واحد، وحكمة واحدة ــ أعني بالنوع ــ من قادر واحد، عالِم واحد، حكيم واحد، بجميع هذه الأنواع وأضعافها مما لا تعلمه العقول البشرية، كما قال تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٨]، وقال: {(٣٧) فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨) وَمَا لَا} [الحاقة: ٣٨ - ٣٩].

فتجتمع غايات فعله وحكمة خلقه وأمره إلى غاية واحدة هي منتهى الغايات، وهي إلهيته الحق التي كل إلهية سواها باطل ومحال، فهي غاية الغايات، ثم يُنزَل منها إلى غايات أُخَر، هي وسائل بالنسبة إليها، وغايات بالنسبة إلى ما دونها، {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: ٤٢].

فليس وراءه معلوم ولا مطلوب ولا مذكور إلا العدم المحض، وليس في الوجود إلا الله ومفعولاته وهي آثار أفعاله، وأفعاله آثار صفاته، وصفاته قائمة به من لوازم ذاته.