للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في قبضته اليمنى، وأهل الشقاوة في القبضة الأخرى، والمقسطون على منابر من نور عن يمينه، والسماوات مطويات بيمينه، والأرض باليد الأخرى.

ومنها أن الغضب والرضا والعفو والعقوبة لمّا كانت متقابلة استعاذ بأحدهما من الآخر، فلما جاء إلى الذات المقدّسة التي لا ضدّ لها ولا مقابل قال: «وأعوذ بك منك»، فاستعاذ بصفة الرضا من صفة الغضب، وبفعل العفو من فعل العقوبة، وبالموصوف بهذه الصفات والأفعال منه، وهذا يتضمن كمال الإثبات للقدر والتوحيد بأوجز لفظ وأخصره؛ فإن الذي يُستعاذ منه من الشرّ وأسبابه هو واقع بقضاء الرب تعالى وقدره، وهو المتفرّد بخلقه وتقديره وتكوينه، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.

فالمُستعاذ منه: إما وصفه، وإما فعله، وإما مفعوله الذي هو أثر فعله، والمفعول ليس إليه نفع ولا ضر، ولا يضر إلا بإذن خالقه، كما قال تعالى في أعظم ما يتضرر به العبد ــ وهو السحر ــ: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ١٠٢]، فالذي يُستعاذ منه هو بمشيئته وقضائه وقدرته، وإعاذته منه وصرفه عن المستعيذ إنما هو بمشيئته أيضًا وقضائه وقدره، فهو المعيذ من قدره بقدره، ومِن ما مصدره عن مشيئته وإذنه بما مصدره (١) عن مشيئته وإذنه.

والجميع واقع بإرادته الكونية القدرية، فهو يعيذ من إرادته بإرادته؛ إذ الجميع خلقُه وقدَرُه وقضاؤه، فليس هناك خلق لغيره فيعيذ منه هو، بل المُستعاذ منه خَلْقٌ له، فهو الذي يعيذ عبدَهُ من نفسه بنفسه،، فيعيذه مما


(١) «م»: «يصدره».