للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أتبع ذلك بإقراره له بنفاذ حكمه فيه، وجريانه عليه، شاء أم أبى، وإذا حكم فيه بحكم لم يستطع غيرُه ردَّه أبدًا، وهذا اعتراف لربّه بكمال القدرة عليه، واعتراف من نفسه بغاية العجز والضعف، فكأنه قال: أنا عبد ضعيف مسكين، يحكم فيه قوي قاهر غالب، وإذا حكم فيه بحكم مضى حكمه فيه ولا بدّ.

ثم أتبع ذلك باعترافه بأن كل حُكم وكل قضية (١) ينفذها فيه هذا الحاكم فهي عدل محض بمشيئة (٢)، لا جور فيها ولا ظلم بوجهٍ من الوجوه، فقال: «ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك»، وهذا يعمّ جميعَ أقضيته سبحانه في عبده: قضاءَه السابقَ فيه قبل إيجاده، وقضاءَه فيه المقارِن لحياته، وقضاءَه فيه بعد مماته، وقضاءَه فيه يوم معاده، ويتناول قضاءَه فيه بالذنب، وقضاءَه فيه بالجزاء عليه.

ومن لم يثلج صدره لهذا، ويكون له كالعلم الضروري؛ لم يعرف ربَّه وكماله، ولا نفسه وعيبه (٣)، ولا عدَلَ في حكمه، بل هو جهول ظلوم، فلا عِلْم ولا إنصاف.

وفي قوله عليه السلام: «ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك» ردٌّ على طائفتي القدرية والجبرية، وإن اعترفوا بذلك بألسنتهم فأصولهم تناقضه.

فإن القدرية تنكر قدرته سبحانه على خلق ما به يهتدي العبد غير ما


(١) «م»: «مصيبة»، والمثبت ألصق بسياق الحديث: «قضاؤك»، والكلام هنا عن القضاء.
(٢) كذا في «م» ونحوها في «د»، والأشبه: «بمشيئته».
(٣) «وعيبه» مهملة في «د» «م»، وفي «د»: «ونفسه وعيبه» دون أداة النفي.