للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجوز، فليست بقضائه وقدره.

وقالت غلاة الجبرية الذين طووا بساط الأمر والنهي: المعاصي بقضاء الله وقدره، والرضا بالقضاء قربة وطاعة، فنحن نرضى بها ولا نسخطها.

واختلفت طرق أهل الإثبات في جواب الطائفتين.

فأجابتهم طائفة بأن لها وجهين: وجهًا يرضى بها منه، وهو إضافتها إلى الله سبحانه خلقًا ومشيئة، ووجهًا يسخط منه، وهو إضافتها إلى العبد فعلًا واكتسابًا.

وهذا جواب جيد لو وفّوا به؛ فإن الكَسْب الذي أثبته كثير منهم لا حقيقة له؛ إذ هو عندهم مقارَنة الفعل للإرادة والقدرة الحادثة من غير أن يكون لهما فيه (١) تأثير بوجه ما، وقد تقدم الكلام في ذلك بما فيه كفاية (٢).

وأجابهم طائفة أخرى بأنّا نرضى بالقضاء الذي هو فعل الربّ، ونسخط المَقْضِيّ الذي هو فعل العبد.

وهذا جواب جيد لو لم يعودوا عليه بالنقض والإبطال؛ فإنهم قالوا: الفعل عين المفعول، فالقضاء عندهم نفس المَقْضِي، فلو قال الأولون بأنّ للكَسْب تأثيرًا في إيجاد الفعل، وأنه سبب لوجوده، وقال الآخرون بأنّ الفعل غير المفعول= لأصابوا في الجواب.

وأجابهم طائفة أخرى بأنّ من القضاء ما يؤمر بالرضا به، ومنه ما يُنْهى


(١) «فيه» بالكاد تقرأ في «م»، وهي ساقطة من «د».
(٢) أفاض المؤلف في بيان ذلك في الباب السابع عشر (١/ ٣٩١).