للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقائل هذا القول يقول: إنه ليس في قصة الخضر شيء من الاطلاع على الغيب الذي لا يعلمه عموم الناس، وإنما فيها عِلْمه بأسباب لم يكن عَلِم بها موسى، مثل عِلْمه بأنّ السفينة لمساكين يعملون، ووراءهم ملك ظالم، وهذا أمر يعلمه غيره. وكذلك كون الجدار كان لغلامين يتيمين، وأنّ أباهما كان رجلًا صالحًا، وأنّ تحته كنزًا لهما؛ مما يمكن أن يعلمه كثيرٌ من الناس. وكذلك كُفْر الصبي مما يمكن أنه كان يعلمه كثير من الناس حتى أبواه، لكن لمحبتهما له لا ينكران عليه، أو لا يقبل منهما.

فإن كان الأمر على ذلك؛ فليس في الآية حُجّة على قولهم أصلًا.

وإن [كان] (١) ذلك الغلام لم يكفر بعد، ولكن سبق في العلم أنه إذا بلغ كَفَر؛ فمن يقول هذا يقول: إنّ قَتْله دفعًا لشره (٢)، كما قال نوح: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: ٢٦ - ٢٧].

وعلى هذا فلم يكن قبل قيام الكفر به كافرًا.

وقراءة ابن عباس: «وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين»؛ ظاهرة أنه كان حينئذٍ كافرًا.

فإن قيل: فهذا الغلام كان أبواه مؤمنين؛ فلو كان مولودًا على فطرة الإسلام ــ وهو بين أبوين مسلمين ــ لكان مسلمًا تبعًا لهما، وبحكم الفطرة، فكيف يُقتَل والحالة هذه؟


(١) «كان» من «ت».
(٢) «درء التعارض»: «إنه قُتِل دفعًا لشره».