للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول ثبت [أن] (١) ذلك من لوازمها، وأنها مفطورة عليه، لا يُفْقَد إلا إذا فسدت الفطرة، وإن قُدِّر أنه متوقّف على شخص فذلك الشخص هو الذي يجعلها حنيفية كما يجعلها مجوسية. وحينئذ فلا فرق بين هذا وهذا.

وإذا قيل: هي إلى الحنيفية أميل، كان كما يقال: هي إلى غيرها أميل، فتبيّن أن فيها قوة موجِبة لحب (٢) الله، والذلّ له، وإخلاص الدين له، وأنها موجِبة لمقتضاها إذا سلمت من المعارض، كما أن فيها قوة تقتضي شرب اللبن الذي فُطِرت على محبته وطلبه.

ومما يبين هذا: أنّ كل حركة إرادية فإن الموجِب لها قوة في المريد، فإذا أمكن في الإنسان أن يحب الله ويعبده ويخلص له الدين؛ كان فيه قوة تقتضي ذلك، إذ الأفعال الإرادية لا يكون سببها إلا من نفس الحيّ المريد الفاعل، ولا يشترط في إرادته إلا مجرّد الشعور بالمراد، فما في النفوس من قوة المحبة له إذا شَعَرت به تقتضي حبّه إذا لم يحصل معارض، وهذا موجود في محبة الأطعمة والأشربة والنكاح والعلم وغيرها.

وقد ثبت أن في النفس قوة المحبة لله والإخلاص والذل والخضوع، وأن فيها قوة الشعور به، فيلزم قطعًا وجود المحبة له والتعظيم والخضوع بالفعل؛ لوجود المقتضِي، إذا سلم عن المعارض.

وتبين أن المعرفة والمحبة لا يشترط فيهما وجود شخص منفصل، وإن كان وجوده قد يذكِّر ويحرِّك، كما لو خوطب الجائع أو الظمآن بوصف


(١) «أن» من «ت».
(٢) «د»: «تحب» مهملة، والتصحيح من «درء التعارض» (٨/ ٤٤٩).