للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان الإنسان تارة يكون معتقدًا للحق، مريدًا للخير، وتارة يكون معتقدًا للباطل، مريدًا للشر؛ فلا يخلو إما أن تكون نسبة نفسه الناطقة (١) إلى النوعين نسبة واحدة، بحيث لا يكون فيها مرجّحًا لأحدهما على الآخر، أو تكون نفسه مرجّحة لأحد الأمرين على الآخر. فإن كان الأول لزم أن لا يوجد أحد النوعين إلا بمرجّح منفصل عنه، فإذا قُدِّر مرجّحان: أحدهما يرجّح هذا، والآخر يرجّح هذا؛ فإما أن يتكافأ المرجّحان، أو يترجّح أحدهما، فإن تكافآ لزم أن لا يحصل واحد منهما، وهو خلاف المعلوم بالضرورة؛ فإنا نعلم أنه إذا عُرِض على كل أحد أن يعتقد الحق ويصدق، وأن يريد ما ينفعه، وعُرِض عليه أن يعتقد الباطل ويكذب، ويريد ما يضره= مال بفطرته إلى الأول، ونفر عن الثاني، فعُلِم أن [في] (٢) فطرة الإنسان قوة تقتضي اعتقاد الحق وإرادة الخير.

وحينئذ ... (٣) [فـ] الإقرار بوجود فاطره وخالقه ومعرفته ومحبته والإيمان به وتعظيمه والإخلاص له إما أن يكون من النوع الأول أو الثاني، وكونه من الثاني معلوم الفساد بالضرورة، فتعيّن أن يكون من الأول.

وحينئذ فيجب أن يكون في الفطرة ما يقتضي محبته ومعرفته والإيمان به، والتوسل إليه بمحابّه.

الوجه الثاني: أن عبادته وحده بما يحبه إما أن تكون أكمل للناس علمًا


(١) «د»: «الباطنة» تحريف.
(٢) زيادة لإقامة السياق من «درء التعارض» (٨/ ٤٥٨)، وسيأتي ما يعززها في الوجه الرابع.
(٣) بياض في «د» بمقدار كلمة، وما بين المعقوفين من مصدر المؤلف.