للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبعث الله النبيين مبشّرين ومنذرين، يدعون العباد إلى موجَب هذه الفطرة، فإذا لم يحصل مانع يمنع الفطرة من مقتضاها استجابت لدعوة الرسل ولا بدّ، بما فيها من المقتضِي لذلك، كمن دعا جائعًا أو ظمآن إلى طعام وشراب نافع لذيذ، لا تبعة فيه عليه، ولا يكلّفه ثمنه؛ فإنه ما لم يحصل هناك مانع فإنه يجيبه ولا بدّ.

الوجه الخامس: أنا نعلم بالضرورة أن الطفل حين وِلادِه ليس له معرفة بهذا الأمر، ولا عنده إرادة له، ونعلم أنه كلما حصل فيه قوة العلم والإرادة حصل له من معرفته بربه ومحبته له ما يناسب قوة فطرته وضعفها، وهذا كما نشاهد في الأطفال من محبة جلب المنافع ودفع المضار بحسب كمال التمييز وضعفه، فكلاهما أمر حاصل مع النشأة على التدريج شيئًا فشيئًا، إلى أن يصل إلى حدّه الذي ليس في الفطرة استعداد لأكبر منه، لكن قد يتفق لكثير من الفِطَر موانع متنوعة تحول بينها وبين مقتضاها وموجَبها.

الوجه السادس: أنه من المعلوم أن النفوس إذا حصل لها معلّم وداعٍ حصل لها من العلم والإرادة بحسبه، ومن المعلوم أن كل نفس قابلة لمعرفة الحق وإرادة الخير، ومجرّد التعليم لا يوجب تلك القابلية، فلولا أن في النفس قوة تقبل ذلك لم يحصل لها المقبول؛ فإن حصوله في المحل مشروط بقبوله له، وذلك القبول هو كونه مهيّأ له، مستعدًا (١) لحصوله فيه، وقد بينا أنه يمتنع أن يكون نسبة ذلك وضده إلى النفس سواء.

الوجه السابع: أنه من المعلوم مشاركة الإنسان لنوع الحيوان في


(١) «د»: «مستعد».