للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومالك رَحِمَهُمُ اللَّهُ: عُمِلَ فِيهَا بِالْقَافَةِ، وَجَعَلُوا الْقَافَةَ سَبَبًا لِتَرْجِيحِ الْمُدِّعِي لِلنَّسَبِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً.

قَالَ أَصْحَابُنَا: وَكَذَلِكَ لَوْ وَلَدَتْ مُسْلِمَةٌ وَكَافِرَةٌ وَلَدَيْنِ، وَادَّعَتِ الْكَافِرَةُ وَلَدَ الْمُسْلِمَةِ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا أحمد، فَتَوَقَّفَ فِيهَا. فَقِيلَ لَهُ: تَرَى الْقَافَةَ؟ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَهَا، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ، وَحَكَمَ بَيْنَهُمَا حَاكِمٌ بِمِثْلِ حُكْمِ سُلَيْمَانَ، لَكَانَ صَوَابًا، وَكَانَ أَوْلَى مِنَ الْقُرْعَةِ، فَإِنَّ الْقُرْعَةَ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهَا إِذَا تَسَاوَى الْمُدَّعِيَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَلَوْ تَرَجَّحَ بِيَدٍ أَوْ شَاهِدٍ وَاحِدٍ أَوْ قَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ مِنْ لَوْثٍ أَوْ نُكُولِ خَصْمِهِ عَنِ الْيَمِينِ، أَوْ مُوَافَقَةِ شَاهِدِ الْحَالِ لِصِدْقِهِ، كَدَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ قُمَاشِ الْبَيْتِ وَالْآنِيَةِ، وَدَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّانِعِينَ آلَاتِ صَنْعَتِهِ، وَدَعْوَى حَاسِرِ الرَّأْسِ عَنِ الْعِمَامَةِ عِمَامَةَ مَنْ بِيَدِهِ عِمَامَةٌ، وَهُوَ يَشْتَدُّ عَدْوًا، وَعَلَى رَأْسِهِ أُخْرَى، وَنَظَائِرَ ذَلِكَ، قُدِّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْقُرْعَةِ.

وَمِنْ تَرَاجِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ عَلَى قِصَّةِ سُلَيْمَانَ (هَذَا بَابُ: الْحُكْمُ يُوهِمُ خِلَافَ الْحَقِّ، لِيُسْتَعْلَمَ بِهِ الْحَقُّ) ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُصَّ عَلَيْنَا هَذِهِ الْقِصَّةَ لِنَتَّخِذَهَا سَمَرًا، بَلْ لِنَعْتَبِرَ بِهَا فِي الْأَحْكَامِ، بَلِ الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ وَتَقْدِيمِ أَيْمَانِ مُدَّعِي الْقَتْلِ هُوَ مِنْ هَذَا اسْتِنَادًا إِلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ، بَلْ وَمِنْ هَذَا رَجْمُ الْمُلَاعَنَةِ إِذَا الْتَعَنَ الزَّوْجُ، وَنَكَلَتْ عَنِ الِالْتِعَانِ. فالشافعي ومالك رَحِمَهُمَا اللَّهُ، يَقْتُلَانِهَا بِمُجَرَّدِ الْتِعَانِ الزَّوْجِ وَنُكُولِهَا اسْتِنَادًا إِلَى اللَّوْثِ الظَّاهِرِ الَّذِي حَصَلَ بِالْتِعَانِهِ وَنُكُولِهَا.

وَمِنْ هَذَا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَنَا مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، وَأَنَّ وَلِيَّيِ الْمَيِّتِ إِذَا اطَّلَعَا عَلَى خِيَانَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>