شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ، أَمْ يَمْكُثُ فِي الْمَدِينَةِ؟ وَكَانَ رَأْيُهُ أَلَّا يَخْرُجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَأَنْ يَتَحَصَّنُوا بِهَا، فَإِنْ دَخَلُوهَا، قَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَفْوَاهِ الْأَزِقَّةِ، وَالنِّسَاءُ مِنْ فَوْقِ الْبُيُوتِ، وَوَافَقَهُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ عبد الله بن أبي، وَكَانَ هُوَ الرَّأْيَ، فَبَادَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ فَاتَهُ الْخُرُوجُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ، وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَأَشَارَ عبد الله بن أبي بِالْمُقَامِ فِي الْمَدِينَةِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، فَأَلَحَّ أُولَئِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَضَ وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَقَدِ انْثَنَى عَزْمُ أُولَئِكَ، وَقَالُوا: أَكْرَهْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُرُوجِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَمْكُثَ فِي الْمَدِينَةِ فَافْعَلْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ» ) .
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَلْفٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاسْتَعْمَلَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الصَّلَاةِ بِمَنْ بَقِيَ فِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ رَأَى رُؤْيَا وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ، رَأَى أَنَّ فِي سَيْفِهِ ثُلْمَةً، وَرَأَى أَنَّ بَقَرًا تُذْبَحُ، وَأَنَّهُ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ، فَتَأَوَّلَ الثُّلْمَةَ فِي سَيْفِهِ بِرَجُلٍ يُصَابُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَتَأَوَّلَ الْبَقَرَ بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقْتَلُونَ وَتَأَوَّلَ الدِّرْعَ بِالْمَدِينَةِ.
فَخَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا صَارَ بِالشَّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ، انْخَزَلَ عبد الله بن أبي بِنَحْوِ ثُلُثِ الْعَسْكَرِ، وَقَالَ: تُخَالِفُنِي وَتَسْمَعُ مِنْ غَيْرِي، فَتَبِعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَالِدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يُوَبِّخُهُمْ وَيَحُضُّهُمْ عَلَى الرُّجُوعَ، وَيَقُولُ: تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ ادْفَعُوا. قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute