كَثِيرُونَ فَمَا وَهَنَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَمَا وَهَنُوا عِنْدَ الْقَتْلِ، وَلَا ضَعُفُوا وَلَا اسْتَكَانُوا، بَلْ تَلَقَّوُا الشَّهَادَةَ بِالْقُوَّةِ وَالْعَزِيمَةِ وَالْإِقْدَامِ، فَلَمْ يُسْتُشْهِدُوا مُدْبِرِينَ مُسْتَكِينِينَ أَذِلَّةً، بَلِ اسْتُشْهِدُوا أَعِزَّةً كِرَامًا مُقْبِلِينَ غَيْرَ مُدْبِرِينَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ تَتَنَاوَلُ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا.
ثُمّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَمَّا اسْتَنْصَرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَأُمَمُهُمْ عَلَى قَوْمِهِمْ مِنَ اعْتِرَافِهِمْ وَتَوْبَتِهِمْ وَاسْتِغْفَارِهِمْ وَسُؤَالِهِمْ رَبَّهُمْ أَنْ يُثَبِّتَ أَقْدَامَهُمْ وَأَنْ يَنْصُرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، فَقَالَ: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ - فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٤٧ - ١٤٨] [آلِ عِمْرَانَ: ١٤٧] .
لَمَّا عَلِمَ الْقَوْمُ أَنَّ الْعَدُوَّ إنَّمَا يُدَالُ عَلَيْهِمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَأَنَّ الشّيْطَانَ إنَّمَا يَسْتَزِلُّهُمْ وَيَهْزِمُهُمْ بِهَا، وَأَنَّهَا نَوْعَانِ: تَقْصِيرٌ فِي حَقٍّ، أَوْ تَجَاوُزٌ لِحَدٍّ، وَأَنَّ النَّصْرَةَ مَنُوطَةٌ بِالطَّاعَةِ، قَالُوا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا، ثُمَّ عَلِمُوا أَنَّ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنْ لَمْ يُثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ وَيَنْصُرْهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا هُمْ عَلَى تَثْبِيتِ أَقْدَامِ أَنْفُسِهِمْ وَنَصْرِهَا عَلَى أَعْدَائِهِمْ، فَسَأَلُوهُ مَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بِيَدِهِ دُونَهُمْ، وَأَنّهُ إنْ لَمْ يُثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ وَيَنْصُرْهُمْ لَمْ يَثْبُتُوا وَلَمْ يَنْتَصِرُوا، فَوَفَّوُا الْمَقَامَيْنِ حَقَّهُمَا: مَقَامَ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ التَّوْحِيدُ وَالِالْتِجَاءُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَمَقَامَ إزَالَةِ الْمَانِعِ مِنَ النَّصْرَةِ، وَهُوَ الذُّنُوبُ وَالْإِسْرَافُ، ثُمَّ حَذَّرَهُمْ سُبْحَانَهُ مِنْ طَاعَةِ عَدُوِّهِمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ إنْ أَطَاعُوهُمْ خَسِرُوا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَفِي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَطَاعُوا الْمُشْرِكِينَ لَمَّا انْتَصَرُوا وَظَفِرُوا يَوْمَ أُحُدٍ.
ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ فَمَنْ وَالَاهُ فَهُوَ الْمَنْصُورُ.
ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ سَيُلْقِي فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِمُ الرُّعْبَ الَّذِي يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْهُجُومِ عَلَيْهِمْ وَالْإِقْدَامِ عَلَى حَرْبِهِمْ، وَأَنَّهُ يُؤَيِّدُ حِزْبَهُ بِجُنْدٍ مِنَ الرُّعْبِ يَنْتَصِرُونَ بِهِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute