أَعْدَائِهِمْ، وَذَلِكَ الرُّعْبُ بِسَبَبِ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، وَعَلَى قَدْرِ الشِّرْكِ يَكُونُ الرُّعْبُ، فَالْمُشْرِكُ بِاللَّهِ أَشَدُّ شَيْءٍ خَوْفًا وَرُعْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِالشِّرْكِ لَهُمُ الْأَمْنُ وَالْهُدَى وَالْفَلَاحُ، وَالْمُشْرِكُ لَهُ الْخَوْفُ وَالضَّلَالُ وَالشَّقَاءُ.
ثُمّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ صَدَقَهُمْ وَعْدَهُ فِي نُصْرَتِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْوَعْدِ، وَأَنّهُمْ لَوِ اسْتَمَرُّوا عَلَى الطَّاعَةِ وَلُزُومِ أَمْرِ الرَّسُولِ لَاسْتَمَرَّتْ نُصْرَتُهُمْ، وَلَكِنِ انْخَلَعُوا عَنِ الطَّاعَةِ، وَفَارَقُوا مَرْكَزَهُمْ، فَانْخَلَعُوا عَنْ عِصْمَةِ الطَّاعَةِ، فَفَارَقَتْهُمُ النُّصْرَةُ، فَصَرَفَهُمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ عُقُوبَةً وَابْتِلَاءً وَتَعْرِيفًا لَهُمْ بِسُوءِ عَوَاقِبِ الْمَعْصِيَةِ، وَحُسْنِ عَاقِبَةِ الطَّاعَةِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ عَفَا عَنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَنّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. قِيلَ للحسن: كَيْفَ يَعْفُو عَنْهُمْ وَقَدْ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ أَعْدَاءَهُمْ حَتَّى قَتَلُوا مِنْهُمْ مَنْ قَتَلُوا، وَمَثَّلُوا بِهِمْ وَنَالُوا مِنْهُمْ مَا نَالُوهُ؟ فَقَالَ: لَوْلَا عَفْوُهُ عَنْهُمْ لَاسْتَأْصَلَهُمْ، وَلَكِنْ بِعَفْوِهِ عَنْهُمْ دَفَعَ عَنْهُمْ عَدُوَّهُمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِئْصَالِهِمْ.
ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ بِحَالِهِمْ وَقْتَ الْفِرَارِ مُصْعِدِينَ أَيْ جَادِّينَ فِي الْهَرَبِ وَالذِّهَابِ فِي الْأَرْضِ، أَوْ صَاعِدِينَ فِي الْجَبَلِ لَا يَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نَبِيِّهِمْ وَلَا أَصْحَابِهِمْ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ إِلَى عِبَادِ اللَّهِ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ.
فَأَثَابَهُمْ بِهَذَا الْهَرَبِ وَالْفِرَارِ غَمًّا بَعْدَ غَمٍّ: غَمُّ الْهَزِيمَةِ وَالْكَسْرَةِ، وَغَمُّ صَرْخَةِ الشَّيْطَانِ فِيهِمْ بِأَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ.
وَقِيلَ: جَازَاكُمْ غَمًّا بِمَا غَمَمْتُمْ رَسُولَهُ بِفِرَارِكُمْ عَنْهُ وَأَسْلَمْتُمُوهُ إِلَى عَدُوِّهِ، فَالْغَمُّ الَّذِي حَصَلَ لَكُمْ جَزَاءً عَلَى الْغَمٍّ الَّذِي أَوْقَعْتُمُوهُ بِنَبِيِّهِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} [آل عمران: ١٥٣] تَنْبِيهٌ عَلَى حِكْمَةِ هَذَا الْغَمِّ بَعْدَ الْغَمِّ، وَهُوَ أَنْ يُنْسِيَهُمُ الْحُزْنَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute