للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّفَرِ وَعَلَى مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْهَزِيمَةِ وَالْجِرَاحِ، فَنَسُوا بِذَلِكَ السَّبَبَ، وَهَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْغَمِّ الَّذِي يَعْقُبُهُ غَمٌّ آخَرُ.

الثَّانِي: أَنَّهُ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ، فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُمْ غَمُّ فَوَاتِ الْغَنِيمَةِ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ غَمُّ الْهَزِيمَةِ، ثُمَّ غَمُّ الْجِرَاحِ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ، ثُمَّ غَمُّ الْقَتْلِ، ثُمَّ غَمُّ سَمَاعِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ، ثُمَّ غَمُّ ظُهُورِ أَعْدَائِهِمْ عَلَى الْجَبَلِ فَوْقَهُمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ غَمَّيْنِ اثْنَيْنِ خَاصَّةً، بَلْ غَمًّا مُتَتَابِعًا لِتَمَامِ الِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: " بِغَمٍّ " مِنْ تَمَامِ الثَّوَابِ، لَا أَنَّهُ سَبَبُ جَزَاءِ الثَّوَابِ، وَالْمَعْنَى: أَثَابَكُمْ غَمًّا مُتَّصِلًا بِغَمٍّ جَزَاءً عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنَ الْهُرُوبِ، وَإِسْلَامِهِمْ نَبِيَّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، وَتَرْكِ اسْتِجَابَتِهِمْ لَهُ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ، وَمُخَالَفَتِهِمْ لَهُ فِي لُزُومِ مَرْكَزِهِمْ، وَتَنَازُعِهِمْ فِي الْأَمْرِ وَفَشَلِهِمْ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ يُوجِبُ غَمًّا يَخُصُّهُ، فَتَرَادَفَتْ عَلَيْهِمُ الْغُمُومُ، كَمَا تَرَادَفَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُهَا وَمُوجِبَاتُهَا، وَلَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُمْ بِعَفْوِهِ لَكَانَ أَمْرًا آخَرَ.

وَمِنْ لُطْفِهِ بِهِمْ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْهُمْ كَانَتْ مِنْ مُوجِبَاتِ الطِّبَاعِ، وَهِي مِنْ بَقَايَا النُّفُوسِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنَ النُّصْرَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ، فَقَيَّضَ لَهُمْ بِلُطْفِهِ أَسْبَابًا أَخْرَجَهَا مِنَ الْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْلِ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا آثَارُهَا الْمَكْرُوهَةُ، فَعَلِمُوا حِينَئِذٍ أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْهَا، وَالِاحْتِرَازَ مِنْ أَمْثَالِهَا، وَدَفْعَهَا بِأَضْدَادِهَا أَمْرٌ مُتَعَيِّنٌ لَا يَتِمُّ لَهُمُ الْفَلَاحُ وَالنُّصْرَةُ الدَّائِمَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ إلَّا بِهِ، فَكَانُوا أَشَدَّ حَذَرًا بَعْدَهَا وَمَعْرِفَةً بِالْأَبْوَابِ الَّتِي دَخَلَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا.

وَرُبَّمَا صَحَّتِ الْأَجْسَامُ بِالْعِلَلِ

ثُمَّ إنَّهُ تَدَارَكَهُمْ سُبْحَانَهُ بِرَحْمَتِهِ، وَخَفَّفَ عَنْهُمْ ذَلِكَ الْغَمَّ، وَغَيَّبَهُ عَنْهُمْ بِالنُّعَاسِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ أَمْنًا مِنْهُ وَرَحْمَةً، وَالنُّعَاسُ فِي الْحَرْبِ عَلَامَةُ النُّصْرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>