للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ مَالِهِ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّرِيَّةَ، فَقَالَ: ( «إنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا وَلِغَيْرِهِ، وَهُوَ فَيْءُ اللَّهِ الَّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَرُدُّوا عَلَيْهِ فَافْعَلُوا، وَإِنْ كَرِهْتُمْ فَأَنْتُمْ وَحَقُّكُمْ» ) ، فَقَالُوا: بَلْ نَرُدُّهُ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا أَصَابُوا حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِي بِالشَّنِّ، وَالرَّجُلُ بِالْإِدَاوَةِ، وَالرَّجُلُ بِالْحَبْلِ، فَمَا تَرَكُوا قَلِيلًا أَصَابُوهُ وَلَا كَثِيرًا إلَّا رَدُّوهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَدَّى إِلَى النَّاسِ بَضَائِعَهُمْ حَتَّى إذَا فَرَغَ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ مَعِيَ مَالٌ لَمْ أَرُدَّهُ عَلَيْهِ؟ قَالُوا: لَا، فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، قَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي أَنْ أُسْلِمَ قَبْلَ أَنْ أَقْدَمَ عَلَيْكُمْ إلَّا تَخَوَّفًا أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إنَّمَا أَسْلَمْتُ لِأَذْهَبَ بِأَمْوَالِكُمْ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ الْوَاقِدِيِّ وابن إسحاق يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ أبي العاص كَانَتْ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَإِلَّا فَبَعْدَ الْهُدْنَةِ لَمْ تَتَعَرَّضْ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُرَيْشٍ. وَلَكِنْ زَعَمَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ قِصَّةَ أبي العاص كَانَتْ بَعْدَ الْهُدْنَةِ وَأَنَّ الَّذِي أَخَذَ الْأَمْوَالَ أبو بصير وَأَصْحَابُهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُنْحَازِينَ بِسِيفِ الْبَحْرِ، وَكَانَتْ لَا تَمُرُّ بِهِمْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ إلَّا أَخَذُوهَا، هَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ.

قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي قِصَّةِ أبي بصير: وَلَمْ يَزَلْ أَبُو جَنْدَلٍ، وأبو بصير، وَأَصْحَابُهُمَا الَّذِينَ اجْتَمَعُوا إلَيْهِمَا هُنَالِكَ حَتَّى مَرَّ بِهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ زينب بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَخَذُوهُمْ، وَمَا مَعَهُمْ، وَأَسَرُوهُمْ، وَلَمْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا لِصِهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أبي العاص، وأبو العاص يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ خديجة بنت خويلد لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا، وَخَلَّوْا سَبِيلَ أَبِي الْعَاصِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى امْرَأَتِهِ زينب، فَكَلَّمَهَا أبو العاص فِي أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَسَرَهُمْ أَبُو جَنْدَلٍ وأبو بصير، وَمَا أَخَذُوا لَهُمْ، فَكَلَّمَتْ زينب رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>