وَقِيلَ: الْفُتُوحُ الَّتِي بَعْدَ خَيْبَرَ مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبهَا.
ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْكُفَّارَ لَوْ قَاتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ، لَوَلَّى الْكُفَّارُ الْأَدْبَارَ غَيْرَ مَنْصُورِينَ، وَأَنَّ هَذِهِ سُنَّتُهُ فِي عِبَادِهِ قَبْلَهُمْ، وَلَا تَبْدِيلَ لِسُنَّتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَاتَلُوهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْتَصَرُوا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُوَلُّوا الْأَدْبَارَ؟ قِيلَ: هَذَا وَعْدٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ مَذْكُورٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهُوَ الصَّبْرُ وَالتَّقْوَى، وَفَاتَ هَذَا الشَّرْطُ يَوْمَ أُحُدٍ بِفَشَلِهِمُ الْمُنَافِي لِلصَّبْرِ، وَتَنَازُعِهِمْ وَعِصْيَانِهِمُ الْمُنَافِي لِلتَّقْوَى، فَصَرَفَهُمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ، وَلَمْ يَحْصُلِ الْوَعْدُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ.
ثُمّ ذَكَرَ - سُبْحَانَهُ - أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ؛ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ الْبَالِغَةِ الَّتِي مِنْهَا: أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ قَدْ آمَنُوا وَهُمْ يَكْتُمُونَ إِيمَانَهُمْ، لَمْ يَعْلَمْ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فَلَوْ سَلَّطَكُمْ عَلَيْهِمْ لَأَصَبْتُمْ أُولَئِكَ بِمَعَرَّةِ الْجَيْشِ، وَكَانَ يُصِيبُكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةُ الْعُدْوَانِ وَالْإِيقَاعِ بِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِيقَاعَ بِهِ. وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ حُصُولَ الْمَعَرَّةِ بِهِمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَضْعَفِينَ الْمُسْتَخْفِينَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مُوجَبُ الْمَعَرَّةِ الْوَاقِعَةِ مِنْهُمْ بِهِمْ، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَوْ زَايَلُوهُمْ وَتَمَيَّزُوا مِنْهُمْ لَعَذَّبَ أَعْدَاءَهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا؛ إِمَّا بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ، وَلَكِنْ دَفَعَ عَنْهُمْ هَذَا الْعَذَابَ لِوُجُودِ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَمَا كَانَ يَدْفَعُ عَنْهُمْ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ وَرَسُولُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.
ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَمَّا جَعَلَهُ الْكُفَّارُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ حَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي مَصْدَرُهَا الْجَهْلُ وَالظُّلْمُ الَّتِي لِأَجْلِهَا صَدُّوا رَسُولَهُ وَعِبَادَهُ عَنْ بَيْتِهِ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلَمْ يُقِرُّوا لِمُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ مَعَ تَحَقُّقِهِمْ صِدْقَهُ وَتَيَقُّنِهِمْ صِحَّةَ رِسَالَتِهِ بِالْبَرَاهِينِ الَّتِي شَاهَدُوهَا وَسَمِعُوا بِهَا فِي مُدَّةِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَأَضَافَ هَذَا الْجَعْلَ إِلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ كَمَا يُضَافُ إِلَيْهِمْ سَائِرُ أَفْعَالِهِمُ الَّتِي هِيَ بِقُدْرَتِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ.
ثُمَّ أَخْبَرَ - سُبْحَانَهُ - أَنَّهُ أَنْزَلَ فِي قَلْبِ رَسُولِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ السَّكِينَةِ مَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute