مُقَابِلٌ لِمَا فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِ مِنْ حَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَانَتِ السَّكِينَةُ حَظَّ رَسُولِهِ وَحِزْبِهِ، وَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ حَظَّ الْمُشْرِكِينَ وَجُنْدِهِمْ، ثُمَّ أَلْزَمَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ كَلِمَةَ التَّقْوَى، وَهِيَ جِنْسٌ يَعُمُّ كُلَّ كَلِمَةٍ يُتَّقَى اللَّهُ بِهَا، وَأَعْلَى نَوْعِهَا كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ، وَقَدْ فُسِّرَتْ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَبَتْ قُرَيْشٌ أَنْ تَلْتَزِمَهَا، فَأَلْزَمَهَا اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ وَحِزْبَهُ، وَإِنَّمَا حَرَمَهَا أَعْدَاءَهُ صِيَانَةً لَهَا عَنْ غَيْرِ كُفْئِهَا، وَأَلْزَمَهَا مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهَا وَأَهْلُهَا، فَوَضَعَهَا فِي مَوْضِعَهَا وَلَمْ يُضَيِّعْهَا بِوَضْعِهَا فِي غَيْرِ أَهْلِهَا، وَهُوَ الْعَلِيمُ بِمَحَالِّ تَخْصِيصِهِ وَمَوَاضِعِهِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ صَدَقَ رَسُولَهُ رُؤْيَاهُ فِي دُخُولِهِمُ الْمَسْجِدَ آمِنِينَ، وَأَنَّهُ سَيَكُونُ وَلَا بُدَّ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ آنَ وَقْتُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْعَامِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلِمَ مِنْ مَصْلَحَةِ تَأْخِيرِهِ إِلَى وَقْتِهِ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ، فَأَنْتُمْ أَحْبَبْتُمُ اسْتِعْجَالَ ذَلِكَ، وَالرَّبُّ تَعَالَى يَعْلَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ التَّأْخِيرِ وَحِكْمَتِهِ مَا لَمْ تَعْلَمُوهُ، فَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا تَوْطِئَةً لَهُ وَتَمْهِيدًا.
ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، فَقَدْ تَكَفَّلَ اللَّهُ لِهَذَا الْأَمْرِ بِالتَّمَامِ وَالْإِظْهَارِ عَلَى جَمِيعِ أَدْيَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَفِي هَذَا تَقْوِيَةٌ لِقُلُوبِهِمْ وَبِشَارَةٌ لَهُمْ وَتَثْبِيتٌ، وَأَنْ يَكُونُوا عَلَى ثِقَةٍ مِنْ هَذَا الْوَعْدِ الَّذِي لَا بُدَّ أَنْ يُنْجِزَهُ، فَلَا تَظُنُّوا أَنَّ مَا وَقَعَ مِنَ الْإِغْمَاضِ وَالْقَهْرِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ نُصْرَةً لِعَدُوِّهِ، وَلَا تَخَلِّيًا عَنْ رَسُولِهِ وَدِينِهِ، كَيْفَ وَقَدْ أَرْسَلَهُ بِدِينِهِ الْحَقِّ وَوَعَدَهُ أَنْ يُظْهِرَهُ عَلَى كُلِّ دِينٍ سِوَاهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ - سُبْحَانَهُ - رَسُولَهُ وَحِزْبَهُ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ لَهُ، وَمَدَحَهُمْ بِأَحْسَنِ الْمَدْحِ، وَذَكَرَ صِفَاتِهِمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَكَانَ فِي هَذَا أَعْظَمُ الْبَرَاهِينِ عَلَى صِدْقِ مَنْ جَاءَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِمْ، لَا كَمَا يَقُولُ الْكُفَّارُ عَنْهُمْ: إِنَّهُمْ مُتَغَلِّبُونَ طَالِبُو مُلْكٍ وَدُنْيَا، وَلِهَذَا لَمَّا رَآهُمْ نَصَارَى الشَّامِ وَشَاهَدُوا هَدْيَهُمْ وَسِيرَتَهُمْ وَعَدْلَهُمْ وَعِلْمَهُمْ وَرَحْمَتَهُمْ وَزُهْدَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَرَغْبَتَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، قَالُوا: مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute