للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ بَيْنَ قِسْمَتِهَا وَتَرْكِهَا وَقَسْمِ بَعْضِهَا وَتَرْكِ بَعْضِهَا.

وَمِنْهَا: جَوَازُ التَّفَاؤُلِ، بَلِ اسْتِحْبَابُهُ بِمَا يَرَاهُ أَوْ يَسْمَعُهُ مِمَّا هُوَ مِنْ أَسْبَابِ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَإِعْلَامِهِ، كَمَا تَفَاءَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرُؤْيَةِ الْمَسَاحِي وَالْفُؤُوسِ وَالْمَكَاتِلِ مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ، فَإِنَّ ذَلِكَ فَأْلٌ فِي خَرَابِهَا.

وَمِنْهَا: جَوَازُ إِجْلَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إِذَا اسْتُغْنِيَ عَنْهُمْ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ» ) ، وَقَالَ لِكَبِيرِهِمْ: ( «كَيْفَ بِكَ إِذَا رَقَصَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ نَحْوَ الشَّامِ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا» ) ، وَأَجْلَاهُمْ عمر بَعْدَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَهُوَ قَوْلٌ قَوِيٌّ يَسُوغُ الْعَمَلُ بِهِ إِذَا رَأَى الْإِمَامُ فِيهِ الْمَصْلَحَةَ.

وَلَا يُقَالُ: أَهْلُ خَيْبَرَ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ، بَلْ كَانُوا أَهْلَ هُدْنَةٍ، فَهَذَا كَلَامٌ لَا حَاصِلَ تَحْتَهُ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ قَدْ أَمِنُوا بِهَا عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ أَمَانًا مُسْتَمِرًّا، نَعَمْ لَمْ تَكُنِ الْجِزْيَةُ قَدْ شُرِعَتْ وَنَزَلَ فَرْضُهَا، وَكَانُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، فَلَمَّا نَزَلَ فَرْضُ الْجِزْيَةِ اسْتُؤْنِفَ ضَرْبُهَا عَلَى مَنْ يُعْقَدُ لَهُ الذِّمَّةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ، فَلَمْ يَكُنْ عَدَمُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِمْ لَيْسُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ، بَلْ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ نَزَلَ فَرْضُهَا بَعْدُ.

وَأَمَّا كَوْنُ الْعَقْدِ غَيْرَ مُؤَبَّدٍ فَذَاكَ لِمُدَّةِ إِقْرَارِهِمْ فِي أَرْضِ خَيْبَرَ، لَا لِمُدَّةِ حَقْنِ دِمَائِهِمْ، ثُمَّ يَسْتَبِيحُهَا الْإِمَامُ مَتَى شَاءَ، فَلِهَذَا قَالَ: ( «نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ، أَوْ مَا شِئْنَا» ) ، وَلَمْ يَقُلْ: نَحْقِنُ دِمَاءَكُمْ مَا شِئْنَا. وَهَكَذَا كَانَ عَقْدُ الذِّمَّةِ لِقُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ عَقْدًا مَشْرُوطًا بِأَنْ لَا يُحَارِبُوهُ وَلَا يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ، وَمَتَى فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ، وَكَانُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ بِلَا جِزْيَةٍ، إِذْ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ فَرْضُهَا إِذْ ذَاكَ، وَاسْتَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيَ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، وَجَعَلَ نَقْضَ الْعَهْدِ سَارِيًا فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَجَعَلَ حُكْمَ السَّاكِتِ وَالْمُقِرِّ حُكْمَ النَّاقِضِ وَالْمُحَارِبِ، وَهَذَا مُوجَبُ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْدَ الْجِزْيَةِ أَيْضًا أَنْ يَسْرِي نَقْضُ الْعَهْدِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>