للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ السَّبَبُ الَّذِي جَرَّ إِلَيْهِ وَحَدَا إِلَيْهِ فِيمَا ذَكَرَ إِمَامُ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي وَالْأَخْبَارِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ ابْنِ كِنَانَةَ عَدَتْ عَلَى خُزَاعَةَ، وَهُمْ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ: الْوَتِيرُ، فَبَيَّتُوهُمْ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ، وَكَانَ الَّذِي هَاجَ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْحَضْرَمِيِّ يُقَالُ لَهُ مالك بن عباد، خَرَجَ تَاجِرًا، فَلَمَّا تَوَسَّطَ أَرْضَ خُزَاعَةَ عَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا مَالَهُ، فَعَدَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي خُزَاعَةَ فَقَتَلُوهُ، فَعَدَتْ خُزَاعَةُ عَلَى بَنِي الْأَسْوَدِ وَهُمْ: سلمى، وكلثوم، وذؤيب، فَقَتَلُوهُمْ بِعَرَفَةَ عِنْدَ أَنْصَابِ الْحَرَمِ، هَذَا كُلَّهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَ الْإِسْلَامُ حَجَزَ بَيْنَهُمْ، وَتَشَاغَلَ النَّاسُ بِشَأْنِهِ، فَلَمَّا كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، وَقَعَ الشَّرْطُ أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِهِ فَعَلَ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ فَعَلَ، فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِهِ، فَلَمَّا اسْتَمَرَّتِ الْهُدْنَةُ اغْتَنَمَهَا بَنُو بَكْرٍ مِنْ خُزَاعَةَ، وَأَرَادُوا أَنْ يُصِيبُوا مِنْهمُ الثَّأْرَ الْقَدِيمَ.

فَخَرَجَ نوفل بن معاوية الديلي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَبَيَّتَ خُزَاعَةَ وَهُمْ عَلَى الْوَتِيرِ، فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رِجَالًا، وَتَنَاوَشُوا، وَاقْتَتَلُوا، وَأَعَانَتْ قُرَيْشٌ بَنِي بَكْرٍ بِالسِّلَاحِ، وَقَاتَلَ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْ قَاتَلَ مُسْتَخْفِيًا لَيْلًا، ذَكَرَ ابن سعد مِنْهُمْ: صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى، ومكرز بن حفص، حَتَّى حَازَوْا خُزَاعَةَ إِلَى الْحَرَمِ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِ قَالَتْ بَنُو بَكْرٍ: يَا نوفل إِنَّا قَدْ دَخَلْنَا الْحَرَمَ إِلَهَكَ إِلَهَكَ. فَقَالَ كَلِمَةً عَظِيمَةً: لَا إِلَهَ لَهُ الْيَوْمَ، يَا بَنِي بَكْرٍ أَصِيبُوا ثَأْرَكُمْ، فَلَعَمْرِي إِنَّكُمْ لَتَسْرِقُونَ فِي الْحَرَمِ أَفَلَا تُصِيبُونَ ثَأْرَكُمْ فِيهِ؟! فَلَمَّا دَخَلَتْ خُزَاعَةُ مَكَّةَ، لَجَأُوا إِلَى دَارِ بديل بن ورقاء الخزاعي، وَدَارِ مَوْلًى لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: رافع، وَيَخْرُجُ عمرو بن سالم الخزاعي حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ:

يَا رَبِّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا

<<  <  ج: ص:  >  >>