سَمْعِي وَبَصَرِي وَنَفْسِي، وَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ فِي نَفْسِي، ثُمَّ قَالَ " ادْنُ فَقَاتِلْ» ) فَتَقَدَّمْتُ أَمَامَهُ أَضْرِبُ بِسَيْفِي، اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ أَقِيَهُ بِنَفْسِي كُلَّ شَيْءٍ، وَلَوْ لَقِيتُ تِلْكَ السَّاعَةَ أَبِي لَوْ كَانَ حَيًّا، لَأَوْقَعْتُ بِهِ السَّيْفَ، فَجَعَلْتُ أَلْزَمُهُ فِيمَنْ لَزِمَهُ، حَتَّى تَرَاجَعَ الْمُسْلِمُونَ، فَكَرُّوا كَرَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَقُرِّبَتْ بَغْلَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَوَى عَلَيْهَا، وَخَرَجَ فِي أَثَرِهِمْ حَتَّى تَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَرَجَعَ إِلَى مُعَسْكَرِهِ فَدَخَلَ خِبَاءَهُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرِي حُبًّا لِرُؤْيَةِ وَجْهِهِ، وَسُرُورًا بِهِ، فَقَالَ: ( «يَا شيب الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرٌ مِمَّا أَرَدْتَ لِنَفْسِكَ "، ثُمَّ حَدَّثَنِي بِكُلِّ مَا أَضْمَرْتُ فِي نَفْسِي مَا لَمْ أَكُنْ أَذْكُرُهُ لِأَحَدٍ قَطُّ، قَالَ فَقُلْتُ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِي. فَقَالَ " غَفَرَ اللَّهُ لَكَ» ) .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: إِنِّي لَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِذٌ بِحَكَمَةِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ قَدْ شَجَرْتُهَا بِهَا، وَكُنْتُ امْرَءًا جَسِيمًا، شَدِيدَ الصَّوْتِ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ حَيْنَ رَأَى مَا رَأَى مِنَ النَّاسِ: ( «إِلَى أَيْنَ أَيُّهَا النَّاسُ؟ " قَالَ: فَلَمْ أَرَ النَّاسَ يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ، فَقَالَ: " يَا عباس اصْرُخْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ السَّمُرَةِ "، فَأَجَابُوا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ» ) قَالَ: فَيَذْهَبُ الرَّجُلُ لِيُثْنِيَ بَعِيرَهُ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَأْخُذُ دِرْعَهُ فَيَقْذِفُهَا فِي عُنُقِهِ، وَيَأْخُذُ سَيْفَهُ وَقَوْسَهُ وَتُرْسَهُ، وَيَقْتَحِمُ عَنْ بَعِيرِهِ وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ وَيَؤُمُّ الصَّوْتَ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ مِائَةٌ، اسْتَقْبَلُوا النَّاسَ، فَاقْتَتَلُوا، فَكَانَتِ الدَّعْوَةُ أَوَّلَ مَا كَانَتْ: يَا لَلْأَنْصَارِ، ثُمَّ خَلَصَتْ آخِرًا: يَا لَلْخَزْرَجِ، وَكَانُوا صُبُرًا عِنْدَ الْحَرْبِ، فَأَشْرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَكَائِبِهِ، فَنَظَرَ إِلَى مُجْتَلَدِ الْقَوْمِ، وَهُمْ يَجْتَلِدُونَ فَقَالَ: ( «الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ» ) وَزَادَ غَيْرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute