للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْجِهَادِ بِالنَّفْسِ فِي الْقُرْآنِ، وَقَرِينُهُ ـ بَلْ جَاءَ مُقَدَّمًا عَلَى الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ ـ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ إِلَّا مَوْضِعًا وَاحِدًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ بِهِ أَهَمُّ وَآكَدُ مِنَ الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ أَحَدُ الْجِهَادَيْنِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا» ) فَيَجِبُ عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْقَادِرِ بِالْبَدَنِ، وَلَا يَتِمُّ الْجِهَادُ بِالْبَدَنِ إِلَّا بِبَذْلِهِ، وَلَا يَنْتَصِرُ إِلَّا بِالْعَدَدِ وَالْعُدَدِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُكْثِرَ الْعَدَدَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُدَّ بِالْمَالِ وَالْعُدَّةِ، وَإِذَا وَجَبَ الْحَجُّ بِالْمَالِ عَلَى الْعَاجِزِ بِالْبَدَنِ فَوُجُوبُ الْجِهَادِ بِالْمَالِ أَوْلَى وَأَحْرَى

وَمِنْهَا: مَا بَرَزَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنَ النَّفَقَةِ الْعَظِيمَةِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ، وَسَبَقَ بِهِ النَّاسَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا عثمان مَا أَسْرَرْتَ وَمَا أَعْلَنْتَ، وَمَا أَخْفَيْتَ وَمَا أَبْدَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: مَا ضَرَّ عثمان مَا فَعَلَ بَعْدَ الْيَوْمِ» ) وَكَانَ قَدْ أَنْفَقَ أَلْفَ دِينَارٍ وَثَلَاثَمِائَةِ بَعِيرٍ بِعُدَّتِهَا وَأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا

وَمِنْهَا: أَنَّ الْعَاجِزَ بِمَالِهِ لَا يُعْذَرُ حَتَّى يَبْذُلَ جُهْدَهُ وَيَتَحَقَّقَ عَجْزُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا نَفَى الْحَرَجَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْعَاجِزِينَ بَعْدَ أَنْ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَحْمِلَهُمْ فَقَالَ: {لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: ٩٢] فَرَجَعُوا يَبْكُونَ لِمَا فَاتَهُمْ مِنَ الْجِهَادِ، فَهَذَا الْعَاجِزُ الَّذِي لَا حَرَجَ عَلَيْهِ

وَمِنْهَا: اسْتِخْلَافُ الْإِمَامِ إِذَا سَافَرَ رَجُلًا مِنَ الرَّعِيَّةِ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَالْمَعْذُورِينَ وَالنِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَيَكُونُ نَائِبُهُ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ لَهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَخْلِفُ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فَاسْتَخْلَفَهُ بِضْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً

وَأَمَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْأَثَرِ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: ( «خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>