للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّقْدِيمِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ دُخُولِهِ إِلَى عَرَفَةَ، فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، فَقِيلَ: ذَلِكَ لِأَجْلِ النُّسُكِ كَمَا قَالَ أبو حنيفة، وَقِيلَ: لِأَجْلِ السَّفَرِ الطَّوِيلِ، كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وأحمد، وَقِيلَ: لِأَجْلِ الشُّغْلِ وَهُوَ اشْتِغَالُهُ بِالْوُقُوفِ وَاتِّصَالُهُ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، قَالَ أحمد: يَجْمَعُ لِلشُّغْلِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ

وَمِنْهَا: جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِالرَّمْلِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ قَطَعُوا الرِّمَالَ الَّتِي بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَتَبُوكَ وَلَمْ يَحْمِلُوا مَعَهُمْ تُرَابًا بِلَا شَكٍّ، وَتِلْكَ مَفَاوِزُ مُعْطِشَةٌ شَكَوْا فِيهَا الْعَطَشَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَطْعًا كَانُوا يَتَيَمَّمُونَ بِالْأَرْضِ الَّتِي هُمْ فِيهَا نَازِلُونَ، هَذَا كُلُّهُ مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ، مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي الصَّلَاةُ فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ» )

وَمِنْهَا: ( «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» ) وَلَمْ يَقُلْ لِلْأُمَّةِ: لَا يَقْصُرُ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ إِذَا أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنِ اتَّفَقَتْ إِقَامَتُهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَهَذِهِ الْإِقَامَةُ فِي حَالِ السَّفَرِ لَا تَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ السَّفَرِ، سَوَاءٌ طَالَتْ أَوْ قَصُرَتْ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَوْطِنٍ وَلَا عَازِمٍ عَلَى الْإِقَامَةِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ

وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ( «أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» ) ، فَنَحْنُ إِذَا أَقَمْنَا تِسْعَ عَشْرَةَ نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ زِدْنَا عَلَى ذَلِكَ أَتْمَمْنَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ أحمد أَنَّ ابْنَ عباس أَرَادَ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ، فَإِنَّهُ قَالَ: ( «أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ زَمَنَ الْفَتْحِ» ) ; لِأَنَّهُ أَرَادَ حُنَيْنًا وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَجْمَعَ الْمُقَامَ، وَهَذِهِ إِقَامَتُهُ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ أَرَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُقَامَهُ بِتَبُوكَ، كَمَا قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: ( «أَقَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>