عَدُوٍّ أَوْ حَبْسِ سُلْطَانٍ أَوْ مَرَضٍ قَصَرَ، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ انْقِضَاءُ الْحَاجَةِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ أَوْ طَوِيلَةٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، لَكِنْ شَرَطُوا فِيهِ شَرْطًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ وَلَا عَمَلِ الصَّحَابَةِ
فَقَالُوا: شَرْطُ ذَلِكَ احْتِمَالُ انْقِضَاءِ حَاجَتِهِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي لَا تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ، وَهِيَ مَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ، فَيُقَالُ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا الشَّرْطُ؟ وَالنَّبِيُّ لَمَّا أَقَامَ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ وَتَبُوكَ، لَمْ يَقُلْ لَهُمْ شَيْئًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى إِقَامَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْتَدُونَ بِهِ فِي صَلَاتِهِ، وَيَتَأَسَّوْنَ بِهِ فِي قَصْرِهَا فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ حَرْفًا وَاحِدًا: لَا تَقْصُرُوا فَوْقَ إِقَامَةِ أَرْبَعِ لَيَالٍ، وَبَيَانُ هَذَا مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ، وَكَذَلِكَ اقْتِدَاءُ الصَّحَابَةِ بِهِ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَقُولُوا لِمَنْ صَلَّى مَعَهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
وَقَالَ مالك وَالشَّافِعِيُّ: إِنْ نَوَى إِقَامَةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ، وَإِنْ نَوَى دُونَهَا قَصَرَ
وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ نَوَى إِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ، وَإِنْ نَوَى دُونَهَا قَصَرَ، وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَرُوِيَ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ; عمر وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: إِذَا أَقَمْتَ أَرْبَعًا فَصَلِّ أَرْبَعًا، وَعَنْهُ كَقَوْلِ أبي حنيفة
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إِنْ أَقَامَ عَشْرًا أَتَمَّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَقَالَ الحسن: يَقْصُرُ مَا لَمْ يَقْدَمْ مِصْرًا
وَقَالَتْ عائشة: يَقْصُرُ مَا لَمْ يَضَعِ الزَّادَ وَالْمَزَادَ
وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَقَامَ لِحَاجَةٍ يَنْتَظِرُ قَضَاءَهَا يَقُولُ: الْيَوْمَ أَخْرُجُ، غَدًا أَخْرُجُ، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ أَبَدًا، إِلَّا الشَّافِعِيَّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ عِنْدَهُ إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا يَقْصُرُ بَعْدَهَا، وَقَدْ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute