فِي الْعَوَاقِبِ، وَحَلَاوَاتُ الْمُبَادِي مَرَارَاتٌ فِي الْعَوَاقِبِ. «وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكعب: (أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ) » ، دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي التَّمَسُّكِ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ عِنْدَ قِيَامِ قَرِينَةٍ تَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَذْكُورِ بِالْحُكْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ - فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: ٧٨ - ٧٩] [الْأَنْبِيَاءِ: ٧٨ و ٧٩] ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» ) ، وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: (أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ) ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ السَّامِعُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَصَدَ تَخْصِيصَهُ بِالْحُكْمِ.
وَقَوْلُ كعب: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرُدَّ حَرَّ الْمُصِيبَةِ بِرُوحِ التَّأَسِّي بِمَنْ لَقِيَ مِثْلَ مَا لَقِيَ، وَقَدْ أَرْشَدَ سُبْحَانَهُ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: ١٠٤] [النِّسَاءِ: ١٠٤] ، وَهَذَا هُوَ الرَّوْحُ الَّذِي مَنَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلَ النَّارِ فِيهَا بِقَوْلِهِ: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: ٣٩] [الزُّخْرُفِ: ٣٩] . وَقَوْلُهُ: " فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا لِي فِيهِمَا أُسْوَةٌ ". هَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا عُدَّ مِنْ أَوْهَامِ الزُّهْرِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ الْبَتَّةَ ذِكْرُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فِي أَهْلِ بَدْرٍ، لَا ابْنُ إِسْحَاقَ، وَلَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَلَا الأموي، وَلَا الْوَاقِدِيُّ، وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ عَدَّ أَهْلَ بَدْرٍ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَلَّا يَكُونَا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَهْجُرْ حاطبا، وَلَا عَاقَبَهُ وَقَدْ جَسَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ لعمر لَمَّا هَمَّ بِقَتْلِهِ: ( «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» ) ، وَأَيْنَ ذَنْبُ التَّخَلُّفِ مِنْ ذَنْبِ الْجَسِّ.
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى كَشْفِ ذَلِكَ وَتَحْقِيقِهِ حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الْأَثْرَمَ قَدْ ذَكَرَ الزُّهْرِيَّ، وَذَكَرَ فَضْلَهُ وَحِفْظَهُ وَإِتْقَانَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُحْفَظُ عَلَيْهِ غَلَطٌ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّ مرارة بن الربيع، وهلال بن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute