للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالشِّيَمِ وَعَادَةِ الْأَشْرَافِ، وَقَدْ أَعْتَقَ العباس غُلَامَهُ لَمَّا بَشَّرَهُ أَنَّ عِنْدَ الحجاج بن علاط مِنَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَسُرُّهُ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِعْطَاءِ الْبَشِيرِ جَمِيعَ ثِيَابِهِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَهْنِئَةِ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دِينِيَّةٌ، وَالْقِيَامِ إِلَيْهِ إِذَا أَقْبَلَ، وَمُصَافَحَتِهِ، فَهَذِهِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ جَائِزٌ لِمَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَهُ: لِيَهْنِكَ مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ، وَنَحْوُ هَذَا الْكَلَامِ، فَإِنَّ فِيهِ تَوْلِيَةَ النِّعْمَةِ رَبَّهَا، وَالدُّعَاءَ لِمَنْ نَالَهَا بِالتَّهَنِّي بِهَا.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خَيْرَ أَيَّامِ الْعَبْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَفْضَلَهَا يَوْمُ تَوْبَتِهِ إِلَى اللَّهِ، وَقَبُولِ اللَّهِ تَوْبَتَهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» . فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْيَوْمُ خَيْرًا مِنْ يَوْمِ إِسْلَامِهِ؟

قِيلَ: هُوَ مُكَمِّلٌ لِيَوْمِ إِسْلَامِهِ، وَمِنْ تَمَامِهِ، فَيَوْمُ إِسْلَامِهِ بِدَايَةُ سَعَادَتِهِ، وَيَوْمُ تَوْبَتِهِ كَمَالُهَا وَتَمَامُهَا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَفِي سُرُورِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ وَفَرَحِهِ بِهِ وَاسْتِنَارَةِ وَجْهِهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ كَمَالِ الشَّفَقَةِ عَلَى الْأُمَّةِ وَالرَّحْمَةِ بِهِمْ وَالرَّأْفَةِ، حَتَّى لَعَلَّ فَرَحَهُ كَانَ أَعْظَمَ مِنْ فَرَحِ كعب وَصَاحِبَيْهِ.

وَقَوْلُ كعب: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي» . دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ عِنْدَ التَّوْبَةِ بِمَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ.

وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ) ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ إِخْرَاجُ جَمِيعِهِ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ لَهُ مِنْهُ بَقِيَّةً، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ، فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: " «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ» "، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ قَدْرًا، بَلْ أَطْلَقَ، وَوَكَلَهُ إِلَى اجْتِهَادِهِ فِي قَدْرِ الْكِفَايَةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ مَا نَقَصَ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ أَهْلِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ، فَنَذْرُهُ لَا يَكُونُ طَاعَةً، فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ وَحَاجَتِهِ، فَإِخْرَاجُهُ وَالصَّدَقَةُ بِهِ أَفْضَلُ، فَيَجِبُ إِخْرَاجُهُ إِذَا نَذَرَهُ، هَذَا قِيَاسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>