للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَذْهَبِ، وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، وَلِهَذَا تُقَدَّمُ كِفَايَةُ الرَّجُلِ، وَكِفَايَةُ أَهْلِهِ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ كَالْكَفَّارَاتِ وَالْحَجِّ، أَوْ حَقًّا لِلْآدَمِيِّينَ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ، فَإِنَّا نَتْرُكُ لِلْمُفْلِسِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَكُسْوَةٍ وَآلَةِ حِرْفَةٍ، أَوْ مَا يَتَّجِرُ بِهِ لِمُؤْنَتِهِ إِنْ فُقِدَتِ الْحِرْفَةُ، وَيَكُونُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِيمَا بَقِيَ.

وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ أَجْزَاهُ ثُلُثُهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَصْحَابُهُ بِمَا رُوِيَ «فِي قِصَّةِ كعب هَذِهِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ أُخْرِجَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَدَقَةً، قَالَ: " لَا "، قُلْتُ: فَنِصْفُهُ؟ قَالَ: " لَا "، قُلْتُ: فَثُلُثُهُ، قَالَ: " نَعَمْ "، قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ» ، رَوَاهُ أبو داود. وَفِي ثُبُوتِ هَذَا مَا فِيهِ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي قِصَّةِ كعب هَذِهِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ وَلَدِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: " «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ» " مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِقَدْرِهِ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْقِصَّةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ وَلَدُهُ، وَعَنْهُ نَقَلُوهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِيمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " «أَنَّ أبا لبابة بن عبد المنذر لَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي وَأُسَاكِنَكَ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ» ) . قِيلَ: هَذَا هُوَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أحمد، لَا بِحَدِيثِ كعب، فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عبد الله: إِذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ أَوْ بِبَعْضِهِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِمَّا يَمْلِكُهُ، فَالَّذِي أَذْهَبُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أبا لبابة بِالثُّلُثِ، وأحمد أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ أَنْ يَحْتَجَّ بِحَدِيثِ كعب

<<  <  ج: ص:  >  >>