هَذَا الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الثُّلُثِ، إِذِ الْمَحْفُوظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ» "، وَكَأَنَّ أحمد رَأَى تَقْيِيدَ إِطْلَاقِ حَدِيثِ كعب هَذَا بِحَدِيثِ أبي لبابة.
وَقَوْلُهُ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ أَوْ بِبَعْضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ: إِنَّهُ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ، دَلِيلٌ عَلَى انْعِقَادِ نَذْرِهِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ، ثُمَّ إِذَا قَضَى الدَّيْنَ أَخْرَجَ مِقْدَارَ ثُلُثِ مَالِهِ يَوْمَ النَّذْرِ، وَهَكَذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عبد الله: إِذَا وَهَبَ مَالَهُ، وَقَضَى دَيْنَهُ، وَاسْتَفَادَ غَيْرُهُ، فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ ثُلُثِ مَالِهِ يَوْمَ حِنْثِهِ، يُرِيدُ بِيَوْمِ حِنْثِهِ يَوْمَ نَذْرِهِ، فَيَنْظُرُ قَدْرَ الثُّلُثِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَيُخْرِجُهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ.
وَقَوْلُهُ: أَوْ بِبَعْضِهِ. يُرِيدُ أَنَّهُ إِذَا نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ بِمِقْدَارٍ كَأَلْفٍ وَنَحْوِهَا، فَيُجْزِئُهُ ثُلُثُهُ كَنَذْرِ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ لُزُومُ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ الْمُعَيَّنِ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ الْمُعَيَّنَ إِنْ كَانَ ثُلُثَ مَالِهِ فَمَا دُونَهُ، لَزِمَهُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَزِمَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَهِيَ أَصَحُّ عِنْدَ أَبِي الْبَرَكَاتِ.
وَبَعْدُ: فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كعبا وأبا لبابة نَذَرَا نَذْرًا مُنَجَّزًا، وَإِنَّمَا قَالَا: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِنَا أَنْ نَنْخَلِعَ مِنْ أَمْوَالِنَا، وَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي النَّذْرِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْعَزْمُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِأَمْوَالِهِمَا شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى قَبُولِ تَوْبَتِهِمَا، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ بَعْضَ الْمَالِ يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَحْتَاجَانِ إِلَى إِخْرَاجِهِ كُلِّهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ لسعد وَقَدِ اسْتَأْذَنَهُ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَأَذِنَ لَهُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute