وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ رَجُلٌ مِنَ الْكُفَّارِ بِظُلْمِ آخَرَ، كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَكِلَاهُمَا ظُلْمٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّ عَقْدَ الْعَهْدِ وَالذِّمَّةِ مَشْرُوطٌ بِنُصْحِ أَهْلِ الْعَهْدِ وَالذِّمَّةِ وَإِصْلَاحِهِمْ، فَإِذَا غَشُّوا الْمُسْلِمِينَ وَأَفْسَدُوا فِي دِينِهِمْ فَلَا عَهْدَ لَهُمْ وَلَا ذِمَّةَ، وَبِهَذَا أَفْتَيْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا فِي انْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ لَمَّا حَرَقُوا الْحَرِيقَ الْعَظِيمَ فِي دِمَشْقَ حَتَّى سَرَى إِلَى الْجَامِعِ، وَبِانْتِقَاضِ عَهْدِ مَنْ وَاطَأَهُمْ وَأَعَانَهُمْ بِوَجْهٍ مَا، بَلْ وَمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْفَعُوا إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْغِشِّ وَالضَّرَرِ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ. .
وَمِنْهَا: بَعْثُ الْإِمَامِ الرَّجُلَ إِلَى أَهْلِ الْهُدْنَةِ فِي مَصْلَحَةِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَمِينًا، وَهُوَ الَّذِي لَا غَرَضَ لَهُ وَلَا هَوَى، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ مُجَرَّدَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا يَشُوبُهَا بِغَيْرِهَا، فَهَذَا هُوَ الْأَمِينُ حَقَّ الْأَمِينِ، كَحَالِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ.
وَمِنْهَا: مُنَاظَرَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَجَوَابُهُمْ عَمَّا سَأَلُوهُ عَنْهُ، فَإِنْ أُشْكِلَ عَلَى الْمَسْئُولِ سَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، وَإِلَّا لَمْ يُشْكِلْ عَلَى المغيرة قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأُخْتَ هَارُونَ} [مريم: ٢٨] هَذَا وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِشْكَالُ، بَلِ الْمُورِدُ ضَمَّ إِلَى هَذَا أَنَّهُ هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ حَتَّى ضَمَّ إِلَيْهِ أَنَّهُ أَخُو مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِيرَادُهُ إِيرَادٌ فَاسِدٌ وَهُوَ إِمَّا مِنْ سُوءِ الْفَهْمِ أَوْ فَسَادِ الْقَصْدِ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ لِيَجْمَعَ صَدَقَاتِهِمْ، وَيَقْدَمَ عَلَيْهِ بِجِزْيَتِهِمْ، فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْجِزْيَةَ لَا تَجْتَمِعَانِ، وَأَشْكَلُ مِنْهُ مَا يَذْكُرُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ أَوْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ عَشْرٍ إِلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ بِنَجْرَانَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute