للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: ٦٨] [الزُّمَرِ ٦٨] .

وَقَوْلِهِ ( «فَلَعُمْرُ إِلَهِكَ» ) هُوَ قَسَمٌ بِحَيَاةِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِقْسَامِ بِصِفَاتِهِ وَانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهَا، وَأَنَّهَا قَدِيمَةٌ وَأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مِنْهَا أَسْمَاءُ الْمَصَادِرِ، وَيُوصَفُ بِهَا، وَذَلِكَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ الْأَسْمَاءِ، وَأَنَّ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى مُشْتَقَّةٌ مِنْ هَذِهِ الْمَصَادِرِ دَالَّةٌ عَلَيْهَا.

وَقَوْلُهُ ( «ثُمَّ تَجِيءُ الصَّائِحَةُ» ) هِيَ صَيْحَةُ الْبَعْثِ وَنَفْخَتُهُ.

وَقَوْلُهُ ( «حَتَّى يَخْلُفَهُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ» ) هُوَ مِنْ أَخْلَفَ الزَّرْعُ إِذَا نَبَتَ بَعْدَ حَصَادِهِ شَبَّهَ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِإِخْلَافِ الزَّرْعِ بَعْدَ مَا حُصِدَ، وَتِلْكَ الْخِلْفَةُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ كَمَا يَنْبُتُ الزَّرْعُ.

وَقَوْلُهُ (فَيَسْتَوِي جَالِسًا) هَذَا عِنْدَ تَمَامِ خِلْقَتِهِ وَكَمَالِ حَيَاتِهِ، ثُمَّ يَقُومُ بَعْدَ جُلُوسِهِ قَائِمًا، ثُمَّ يُسَاقُ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ إِمَّا رَاكِبًا وَإِمَّا مَاشِيًا.

وَقَوْلُهُ ( «يَقُولُ: يَا رَبِّ أَمْسِ، الْيَوْمَ» ) اسْتِقْلَالٌ لِمُدَّةِ لُبْثِهِ فِي الْأَرْضِ، كَأَنَّهُ لَبِثَ فِيهَا يَوْمًا، فَقَالَ: أَمْسِ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، فَقَالَ: الْيَوْمَ يَحْسَبُ أَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِأَهْلِهِ وَأَنَّهُ إِنَّمَا فَارَقَهُمْ أَمْسِ أَوِ الْيَوْمَ.

وَقَوْلُهُ ( «كَيْفَ يَجْمَعُنَا بَعْدَ مَا تَمْرُقُنَا الرِّيَاحُ وَالْبِلَى وَالسِّبَاعِ» ) وَإِقْرَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَكُونُوا يَخُوضُونَ فِي دَقَائِقِ الْمَسَائِلِ وَلَمْ يَكُونُوا يَفْهَمُونَ حَقَائِقَ الْإِيمَانِ، بَلْ كَانُوا مَشْغُولِينَ بِالْعَمَلِيَّاتِ، وَأَنَّ أَفْرَاخَ الصَّابِئَةِ وَالْمَجُوسِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ أَعْرَفُ مِنْهُمْ بِالْعِلْمِيَّاتِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانُوا يُورِدُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَسْئِلَةِ وَالشُّبُهَاتِ، فَيُجِيبُهُمْ عَنْهَا بِمَا يُثْلِجُ صُدُورَهُمْ، وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسْئِلَةَ أَعْدَاؤُهُ وَأَصْحَابُهُ، أَعْدَاؤُهُ لِلتَّعَنُّتِ وَالْمُغَالَبَةِ، وَأَصْحَابُهُ: لِلْفَهْمِ وَالْبَيَانِ وَزِيَادَةِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ يُجِيبُ كُلًّا عَنْ سُؤَالِهِ إِلَّا مَا لَا جَوَابَ عَنْهُ كَسُؤَالِهِ عَنْ وَقْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>