للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّاعَةِ، وَفِي هَذَا السُّؤَالِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْمَعُ أَجْزَاءَ الْعَبْدِ بَعْدَمَا فَرَّقَهَا وَيُنْشِئُهَا نَشْأَةً أُخْرَى، وَيَخْلُقُهُ خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا سَمَّاهُ فِي كِتَابِهِ، كَذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: " أُنَبِّئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللَّهِ " آلَاؤُهُ: نِعَمُهُ وَآيَاتُهُ الَّتِي تَعَرَّفَ بِهَا إِلَى عِبَادِهِ.

وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْقِيَاسِ فِي أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ وَالْمَعَادِ، وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْهُ.

وَفِيهِ أَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ نَظِيرِهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى شَيْءٍ فَكَيْفَ تَعْجِزُ قُدْرَتُهُ عَنْ نَظِيرِهِ وَمِثْلِهِ؟ فَقَدْ قَرَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَدِلَّةَ الْمَعَادِ فِي كِتَابِهِ أَحْسَنَ تَقْرِيرٍ، وَأَبْيَنَهُ وَأَبْلَغَهُ وَأَوْصَلَهُ إِلَى الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ، فَأَبَى أَعْدَاؤُهُ الْجَاحِدُونَ إِلَّا تَكْذِيبًا لَهُ وَتَعْجِيزًا لَهُ، وَطَعْنًا فِي حِكْمَتِهِ، تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

وَقَوْلُهُ فِي الْأَرْضِ ( «أَشْرَفْتُ عَلَيْهَا وَهِيَ مَدَرَةٌ بَالِيَةٌ» ) هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: ١٩] [الرُّومِ: ١٩] . وَقَوْلِهِ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [فصلت: ٣٩] [فُصِّلَتْ ٣٩] وَنَظَائِرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ.

وَقَوْلُهُ ( «فَتَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْكُمْ» ) فِيهِ إِثْبَاتُ صِفَةِ النَّظَرِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِثْبَاتُ رُؤْيَتِهِ فِي الْآخِرَةِ. وَقَوْلُهُ " كَيْفَ وَنَحْنُ مِلْءُ الْأَرْضِ وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ " قَدْ جَاءَ هَذَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.

وَفِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ ( «لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ» ) وَالْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا قَوْمٌ عَرَبٌ يَعْلَمُونَ الْمُرَادَ مِنْهُ وَلَا يَقَعُ فِي قُلُوبِهِمْ تَشْبِيهُهُ سُبْحَانَهُ بِالْأَشْخَاصِ، بَلْ هُمْ أَشْرَفُ عُقُولًا وَأَصَحُّ أَذْهَانًا، وَأَسْلَمُ قُلُوبًا مِنْ ذَلِكَ، وَحَقَّقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُقُوعَ الرُّؤْيَةِ عِيَانًا بِرُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ تَحْقِيقًا لَهَا، وَنَفْيًا لِتَوَهُّمِ الْمَجَازِ الَّذِي يَظُنُّهُ الْمُعَطِّلُونَ.

وَقَوْلُهُ ( «فَيَأْخُذُ رَبُّكَ بِيَدِهِ غَرْفَةً مِنَ الْمَاءِ فَيَنْضَحُ بِهَا قِبَلَكُمْ» ) فِيهِ إِثْبَاتُ صِفَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>