الْيَدِ لَهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ وَإِثْبَاتُ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ النَّضْحُ. وَالرَّيْطَةُ: الْمُلَاءَةُ. وَالْحُمَمُ: جَمْعُ حُمَمَةٍ وَهِيَ الْفَحْمَةُ.
وَقَوْلُهُ ( «ثُمَّ يَنْصَرِفُ نَبِيِّكُمْ» ) هَذَا انْصِرَافٌ مِنْ مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَقَوْلُهُ ( «وَيَفْرُقُ عَلَى أَثَرِهِ الصَّالِحُونَ» ) أَيْ يَفْزَعُونَ وَيَمْضُونَ عَلَى أَثَرِهِ.
وَقَوْلُهُ ( «فَتَطَّلِعُونَ عَلَى حَوْضِ نَبِيِّكُمْ» ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْحَوْضَ مِنْ وَرَاءِ الْجِسْرِ فَكَأَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَقْطَعُوا الْجِسْرَ، وَلِلسَّلَفِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا القرطبي فِي " تَذْكِرَتِهِ " وَالْغَزَالِيُّ وَغَلَّطَا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ بَعْدَ الْجِسْرِ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( «بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ عَلَى الْحَوْضِ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: هَلُمَّ، فَقُلْتُ: إِلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ، قُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ، فَلَا أَرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ» ) .
قَالَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ صِحِّتِهِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْحَوْضَ يَكُونُ فِي الْمَوْقِفِ قَبْلَ الصِّرَاطِ؛ لِأَنَّ الصِّرَاطَ إِنَّمَا هُوَ جِسْرٌ مَمْدُودٌ عَلَى جَهَنَّمَ، فَمَنْ جَازَهُ سَلِمَ مِنَ النَّارِ.
قُلْتُ: وَلَيْسَ بَيْنَ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَارُضٌ وَلَا تَنَاقُضٌ وَلَا اخْتِلَافٌ وَحَدِيثُهُ كُلُّهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ إِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْحَوْضَ لَا يُرَى وَلَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ قَطْعِ الصِّرَاطِ، فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا وَغَيْرُهُ يَرُدُّ قَوْلَهُمْ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا جَازُوا الصِّرَاطَ وَقَطَعُوهُ بَدَا لَهُمُ الْحَوْضُ فَشَرِبُوا مِنْهُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ لقيط هَذَا، وَهُوَ لَا يُنَاقِضُ كَوْنَهُ قَبْلَ الصِّرَاطِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ طُولُهُ شَهْرٌ، وَعَرْضُهُ شَهْرٌ، فَإِذَا كَانَ بِهَذَا الطُّولِ وَالسَّعَةِ، فَمَا الَّذِي يُحِيلُ امْتِدَادَهُ إِلَى وَرَاءِ الْجِسْرِ، فَيَرِدُهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبْلَ الصِّرَاطِ وَبَعْدَهُ، فَهَذَا فِي حَيِّزِ الْإِمْكَانِ، وَوُقُوعُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى خَبَرِ الصَّادِقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ ( «- وَاللَّهِ عَلَى أَظْمَأَ - نَاهِلَةٍ قَطُّ» ) النَّاهِلَةُ الْعِطَاشُ الْوَارِدُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute