للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنْ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا عَلَى سَمْتِهَا كَالشَّامِ وَغَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ( «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» ) .

وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَخِطَابُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَاصٌّ بِأَهْلِ الْحِجَازِ، مَا وَالَاهُمْ إِذْ كَانَ أَكْثَرُ الْحُمِّيَّاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ نَوْعِ الْحُمَّى الْيَوْمِيَّةِ الْعَرَضِيَّةِ الْحَادِثَةِ عَنْ شِدَّةِ حَرَارَةِ الشَّمْسِ، وَهَذِهِ يَنْفَعُهَا الْمَاءُ الْبَارِدُ شُرْبًا وَاغْتِسَالًا، فَإِنَّ الْحُمَّى حَرَارَةٌ غَرِيبَةٌ تَشْتَعِلُ فِي الْقَلْبِ، وَتَنْبَثُّ مِنْهُ بِتَوَسُّطِ الرُّوحِ وَالدَّمِ فِي الشَّرَايِينِ وَالْعُرُوقِ إِلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ، فَتَشْتَعِلُ فِيهِ اشْتِعَالًا يُضِرُّ بِالْأَفْعَالِ الطَّبِيعِيَّةِ.

وَهِيَ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: عَرَضِيَّةٌ: وَهِيَ الْحَادِثَةُ إِمَّا عَنِ الْوَرَمِ، أَوِ الْحَرَكَةِ، أَوْ إِصَابَةِ حَرَارَةِ الشَّمْسِ، أَوِ الْقَيْظِ الشَّدِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَمَرَضِيَّةٌ: وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي مَادَّةٍ أُولَى، ثُمَّ مِنْهَا يُسَخَّنُ جَمِيعُ الْبَدَنِ. فَإِنْ كَانَ مَبْدَأُ تَعَلُّقِهَا بِالرُّوحِ سُمِّيَتْ حُمَّى يَوْمٍ؛ لِأَنَّهَا فِي الْغَالِبِ تَزُولُ فِي يَوْمٍ، وَنِهَايَتُهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَ مَبْدَأُ تَعَلُّقِهَا بِالْأَخْلَاطِ سُمِّيَتْ عَفَنِيَّةً، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: صَفْرَاوِيَّةٌ وَسَوْدَاوِيَّةٌ، وَبَلْغَمِيَّةٌ، وَدَمَوِيَّةٌ. وَإِنْ كَانَ مَبْدَأُ تَعَلُّقِهَا بِالْأَعْضَاءِ الصُّلْبَةِ الْأَصْلِيَّةِ، سُمِّيَتْ حُمَّى دِقٍّ، وَتَحْتَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ.

وَقَدْ يَنْتَفِعُ الْبَدَنُ بِالْحُمَّى انْتِفَاعًا عَظِيمًا لَا يَبْلُغُهُ الدَّوَاءُ، وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ حُمَّى يَوْمٍ، وَحُمَّى الْعَفَنِ سَبَبًا لِإِنْضَاجِ مَوَادَّ غَلِيظَةٍ لَمْ تَكُنْ تَنْضَجُ بِدُونِهَا، وَسَبَبًا لِتَفَتُّحِ سُدَدٍ لَمْ يَكُنْ تَصِلُ إِلَيْهَا الْأَدْوِيَةُ الْمُفَتِّحَةُ.

وَأَمَّا الرَّمَدُ الْحَدِيثُ وَالْمُتَقَادِمُ فَإِنَّهَا تُبْرِئُ أَكْثَرَ أَنْوَاعِهِ بُرْءًا عَجِيبًا سَرِيعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>