وَتَنْفَعُ مِنَ الْفَالِجِ، وَاللِّقْوَةِ، وَالتَّشَنُّجِ الِامْتِلَائِيِّ، وَكَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْحَادِثَةِ عَنِ الْفُضُولِ الْغَلِيظَةِ.
وَقَالَ لِي بَعْضُ فُضَلَاءِ الْأَطِبَّاءِ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَمْرَاضِ نَسْتَبْشِرُ فِيهَا بِالْحُمَّى، كَمَا يَسْتَبْشِرُ الْمَرِيضُ بِالْعَافِيَةِ، فَتَكُونُ الْحُمَّى فِيهِ أَنْفَعَ مِنْ شُرْبِ الدَّوَاءِ بِكَثِيرٍ، فَإِنَّهَا تُنْضِجُ مِنَ الْأَخْلَاطِ وَالْمَوَادِّ الْفَاسِدَةِ مَا يَضُرُّ بِالْبَدَنِ، فَإِذَا أَنْضَجَتْهَا صَادَفَهَا الدَّوَاءُ مُتَهَيِّئَةً لِلْخُرُوجِ بِنِضَاجِهَا فَأَخْرَجَهَا فَكَانَتْ سَبَبًا لِلشِّفَاءِ.
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْحَدِيثِ مِنْ أَقْسَامِ الْحُمِّيَاتِ الْعَرَضِيَّةِ، فَإِنِّهَا تَسْكُنُ عَلَى الْمَكَانِ بِالِانْغِمَاسِ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ وَسَقْيِ الْمَاءِ الْبَارِدِ الْمَثْلُوجِ، وَلَا يَحْتَاجُ صَاحِبُهَا مَعَ ذَلِكَ إِلَى عِلَاجٍ آخَرَ، فَإِنِّهَا مُجَرَّدُ كَيْفِيَّةٍ حَارَّةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالرُّوحِ، فَيَكْفِي فِي زَوَالِهَا مُجَرَّدُ وُصُولِ كَيْفِيَّةٍ بَارِدَةٍ تُسَكِّنُهَا، وَتُخْمِدُ لَهَبَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى اسْتِفْرَاغِ مَادَّةٍ أَوِ انْتِظَارِ نُضْجٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْحُمِّيَاتِ، وَقَدِ اعْتَرَفَ فَاضِلُ الْأَطِبَّاءِ جالينوس: بِأَنَّ الْمَاءَ الْبَارِدَ يَنْفَعُ فِيهَا، قَالَ فِي الْمَقَالَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ كِتَابِ " حِيلَةِ الْبُرْءِ ": وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا شَابَّا حَسَنَ اللَّحْمِ، خِصْبَ الْبَدَنِ فِي وَقْتِ الْقَيْظِ، وَفِي وَقْتِ مُنْتَهَى الْحُمَّى، وَلَيْسَ فِي أَحْشَائِهِ وَرَمٌ، اسْتَحَمَّ بِمَاءٍ بَارِدٍ أَوْ سَبَحَ فِيهِ لَانْتَفَعَ بِذَلِكَ. قَالَ: وَنَحْنُ نَأْمُرُ بِذَلِكَ لَا تَوَقُّفَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute