جَمَعَتِ السُّورَتَانِ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَلَهُمَا شَأْنٌ عَظِيمٌ فِي الِاحْتِرَاسِ وَالتَّحَصُّنِ مِنَ الشُّرُورِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَلِهَذَا أَوْصَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ بِقِرَاءَتِهِمَا عَقِبَ كُلِّ صَلَاةٍ، ذَكَرَهُ الترمذي فِي " جَامِعِهِ " وَفِي هَذَا سِرٌّ عَظِيمٌ فِي اسْتِدْفَاعِ الشُّرُورِ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَى الصَّلَاةِ. وَقَالَ: مَا تَعَوَّذَ الْمُتَعَوِّذُونَ بِمِثْلِهِمَا. وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُحِرَ فِي إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، وَأَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَيْهِ بِهِمَا، فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً مِنْهُمَا انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، حَتَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ كُلُّهَا، وَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ.
وَأَمَّا الْعِلَاجُ الطَّبِيعِيُّ فِيهِ، فَإِنَّ فِي الْمِلْحِ نَفْعًا لِكَثِيرٍ مِنَ السُّمُومِ، وَلَا سِيَّمَا لَدْغَةُ الْعَقْرَبِ، قَالَ صَاحِبُ " الْقَانُونِ ": يُضَمَّدُ بِهِ مَعَ بَزْرِ الْكَتَّانِ لِلَسْعِ الْعَقْرَبِ، وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا. وَفِي الْمِلْحِ مِنَ الْقُوَّةِ الْجَاذِبَةِ الْمُحَلِّلَةِ مَا يَجْذِبُ السُّمُومَ وَيُحَلِّلُهَا، وَلَمَّا كَانَ فِي لَسْعِهَا قُوَّةٌ نَارِيَّةٌ تَحْتَاجُ إِلَى تَبْرِيدٍ وَجَذْبٍ وَإِخْرَاجٍ، جَمَعَ بَيْنَ الْمَاءِ الْمُبَرَّدِ لِنَارِ اللَّسْعَةِ، وَالْمِلْحِ الَّذِي فِيهِ جَذْبٌ وَإِخْرَاجٌ، وَهَذَا أَتَمُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْعِلَاجِ، وَأَيْسَرُهُ، وَأَسْهَلُهُ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ عِلَاجَ هَذَا الدَّاءِ بِالتَّبْرِيدِ وَالْجَذْبِ وَالْإِخْرَاجِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى مسلم فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ( «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ فَقَالَ: " أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ» ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَدْوِيَةَ الطَّبِيعِيَّةَ الْإِلَهِيَّةَ تَنْفَعُ مِنَ الدَّاءِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَتَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهِ، وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يَقَعْ وُقُوعًا مُضِرًّا، وَإِنْ كَانَ مُؤْذِيًا، وَالْأَدْوِيَةُ الطَّبِيعِيَّةُ إِنَّمَا تَنْفَعُ، بَعْدَ حُصُولِ الدَّاءِ فَالتَّعَوُّذَاتُ وَالْأَذْكَارُ، إِمَّا أَنْ تَمْنَعَ وُقُوعَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَإِمَّا أَنْ تَحُولَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كَمَالِ تَأْثِيرِهَا بِحَسَبِ كَمَالِ التَّعَوُّذِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ، فَالرُّقَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute