الْفَجْرِ بِسُورَةِ (الْبَقَرَةِ) حَتَّى سَلَّمَ مِنْهَا قَرِيبًا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ كَادَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ، فَقَالَ: لَوْ طَلَعَتْ لَمْ تَجِدْنَا غَافِلِينَ.
وَكَانَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ فِيهَا بِ (يُوسُفَ) وَ (النَّحْلِ) وَبِ (هُودٍ) وَ (بَنِي إِسْرَائِيلَ) وَنَحْوِهَا مِنَ السُّوَرِ، وَلَوْ كَانَ تَطْوِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْسُوخًا لَمْ يَخْفَ عَلَى خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَيَطَّلِعْ عَلَيْهِ النَّقَّارُونَ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مسلم فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ( «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدُ تَخْفِيفًا» ) فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " بَعْدُ " أَيْ بَعْدَ الْفَجْرِ، أَيْ إِنَّهُ كَانَ يُطِيلُ قِرَاءَةَ الْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا، وَصِلَاتُهُ بَعْدَهَا تَخْفِيفًا. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ «قَوْلُ أم الفضل وَقَدْ سَمِعَتِ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ، إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ، فَهَذَا فِي آخِرِ الْأَمْرِ» )
وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَكَانَتْ صَلَاتُهَا " بَعْدُ " غَايَةٌ قَدْ حُذِفَ مَا هِيَ مُضَافَةٌ إِلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ إِضْمَارُ مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَتَرْكُ إِضْمَارِ مَا يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ، وَالسِّيَاقُ إِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ صَلَاتَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ كَانَتْ تَخْفِيفًا، وَلَا يَقْتَضِي أَنَّ صَلَاتَهُ كُلَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَانَتْ تَخْفِيفًا، هَذَا مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُرَادَ لَمْ يَخْفَ عَلَى خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ فَيَتَمَسَّكُونَ بِالْمَنْسُوخِ وَيَدَعُونَ النَّاسِخَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «أَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ» " وَقَوْلُ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute