للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِهِ مِنَ الْمَالِكِينَ، وَلِهَذَا كَانَ يُنْفِقُ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بَخِيلٍ وَلَا رِكَابٍ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ، وَيَجْعَلُ الْبَاقِيَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْأَمْوَالِ هُوَ السَّهْمُ الَّذِي وَقَعَ بَعْدَهُ فِيهِ مِنَ النِّزَاعِ مَا وَقَعَ إِلَى الْيَوْمِ.

فَأَمَّا الزَّكَوَاتُ وَالْغَنَائِمُ وَقِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ فَإِنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لِأَهْلِهَا لَا يَشْرُكُهُمْ غَيْرُهُمْ فِيهَا، فَلَمْ يُشْكِلْ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ بَعْدَهُ مِنْ أَمْرِهَا مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَيْءِ، وَلَمْ يَقَعْ فِيهَا مِنَ النِّزَاعِ مَا وَقَعَ فِيهِ، وَلَوْلَا إِشْكَالُ أَمْرِهِ عَلَيْهِمْ لَمَا طَلَبَتْ فاطمة بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَهَا مِنْ تَرِكَتِهِ، وَظَنَّتْ أَنَّهُ يُورَثُ عَنْهُ مَا كَانَ مَلِكًا لَهُ كَسَائِرِ الْمَالِكِينَ، وَخَفِيَ عَلَيْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ الَّذِي لَيْسَ مِمَّا يُورَثُ عَنْهُ، بَلْ هُوَ صَدَقَةٌ بَعْدَهُ، وَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ خَلِيفَتُهُ الرَّاشِدُ الْبَارُّ الصِّدِّيقُ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ لَمْ يَجْعَلُوا مَا خَلَّفَهُ مِنَ الْفَيْءِ مِيرَاثًا يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، بَلْ دَفَعُوهُ إِلَى علي والعباس يَعْمَلَانِ فِيهِ عَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَنَازَعَا فِيهِ وَتَرَافَعَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وعمر وَلَمْ يَقْسِمْ أَحَدٌ مِنْهُمَا ذَلِكَ مِيرَاثًا، وَلَا مَكَّنَا مِنْهُ عباسا وعليا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ - لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} [الحشر: ٧ - ٩] إِلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ١٠] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ [الْحَشْرِ: ٧ - ١٠] .

فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَا أَفَاءَ عَلَى رَسُولِهِ بِجُمْلَتِهِ لِمَنْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَلَمْ يَخُصَّ مِنْهُ خُمُسَهُ بِالْمَذْكُورِينَ، بَلْ عَمَّمَ وَأَطْلَقَ وَاسْتَوْعَبَ. وَيُصْرَفُ عَلَى الْمَصَارِفِ الْخَاصَّةِ، وَهُمْ أَهْلُ الْخُمُسِ، ثُمَّ عَلَى الْمَصَارِفِ الْعَامَّةِ، وَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَتْبَاعُهُمْ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>